في صالون الحلاق تكون الحكايات والقصص نشطة، تشبه في تنوعها وجرسها تلك التي كنت أسمعها حين اركب بالتاكسي، تشعر بأن الحلاق يدير ندوة مستمرة، بطريقة تريح الزبائن، وتدفعهم للمشاركة بالحديث، حتى لو جاد على السامعين بقصص وتفاصيل مختلقة، تكتنز إثارة متسقة مع التشويق الذي يكون الحلاق خازنه وضابطه المحترف.اضافة اعلان
أمس حلقت؛ عند صالون «عش العصفور»، وأنا زبون دائم للمعلم محمد عصفور، وهو أحد أشقاء ثلاثة يعملون في الصالون نفسه، وكلهم لطفاء بالطبع، لكن محمد مختلف «بصراحة»، فهو أبرعهم في إدارة الندوة الحوارية التي لا تتوقف مهما كان عمر ومستوى الزبون، حتى إن محمدا لديه «لابتوب» في وضع تشغيل على شاشة واحدة، وهي شاشة بورصة الأسهم في سوق عمان المالي، فالمعلم محمد يدير محفظة وربما أكثر في هذه البورصة، ويبيع الأسهم ويشتري أثناء تعامله مع رأس الزبون، أنا شهدت أكثر مرة قراره ببيع أسهم، من خلال اتصاله مع أحدهم، قائلا له «بيع بسرعة».
أمس؛ وخلال جلوسي على كرسي الحلاق محمد، استمعت لقصص لم أشارك بها، لأن محمد لاحظ تحفظي وعدم مشاركتي فاعتقد بأنني ضجرٌ بحديث الزبونين المتواجدين على الدور، خلال 5 دقائق «وهي اطول مدة لجلوسي على كرسي أي حلاق في الدنيا»، انفعلت داخليا، وتشكلت لدي فكرة هذه المقالة..
اول من جلس ينتظر دوره، رجل في نهاية الستينات، مغترب في قطر الشقيقة، ويبدو أنه يعمل طبيبا أو في المجال الصحي، وقال للحلاق بأن ابنه «يزن» ترك الدوحة وذهب إلى أمريكا، ليكمل بل يبتدىء من جديد العمل في الطب، وقال بأنه سيقوم هناك بإعادة الامتياز والإقامة ويشتغل على نفسه من الصفر «الطبي».. ثم دلف الى الصالون زبون خمسيني، متخم بالحكايات، ولديه هبرة وسيرة مرضية ودوائية، وباشر الحديث مبتدئا بانتقاد، وعبر عن شكوى عميقة وموسوعية من التلاعب بأسعار الدواء.. حيث قال ساخرا بداية حديثه ( سمحوا للمسافر ان يحمل معه دواء لمدة ستين يوما؛ ثم فتح الباب لحديث من طرفه، يتحدث فيه طرف واحد، وهو الزبون نفسه:
بمقدمة من كلمات قليلة جدا، لا أعرف زبطت معه، شرع بذكر أسماء أدوية للسكري، قال بان سعر الباكيت الواحد منها يعادل دينارا واحدا في مصر، وديناران في تركيا، لكنه في الأردن 38 دينارا!، ثم ذكر أسعارا تشبهها عن دواء يتناوله المرضى الذين ركبوا «شبكات» قلب، قال بأن الشريط يحتوي 30 حبة، والباكيت كله ثمنه 12 جنيها في مصر، وقال حوالي «نص دينار»، لكن ثمن الباكيت نفسه في الأردن حوالي 7 دنانير.. !.
وكان المغترب الاردني في قطر، أعني الرجل السبعيني «أبوه للدكتور يزن اللي ترك قطر وراح لأمريكا»، يضفي ما ينبغي من تأييد، واندهاش على قصص الزبون المريض الخبير باسعار العلاجات المذكورة في ثلاث دول (الأردن ومصر وتركيا.. والهند عند اللزوم).
قبل أن ينتهي محمد من قص شعري، كانت أسعار الدواء، مقدمات رقمية مثيرة، تنطوي على فكرة، نضجت للتو في دماغي وشكلت مقالة أطول من شعري الذي قام الحلاق بقصه..
وفهمت بأن معنى ان تسمع حديثا مثيرا وأنت تجلس على كرسي الحلاق، قد يوقف قلبك عن النبض، أو على الأقل يروض شعرك، فيقف او ينتظم تحت أسنان ماكنة الحلاق، ومهما طال شعرك فماكنة الحلاق تنتظره، فشعرك سلعة محتكرة لتلك الماكنة «الحصادة»، تماما كسوق الدواء في «البلد»، له حصادات معروفة، تصبح معها الأمراض والمرضى، مجرد سلعة يحصدها الحاصدون بالثمن الذي يريدون.
قال لي محمد نعيما، فأجبته : الله ينعم عليك وع «البلد».
أمس حلقت؛ عند صالون «عش العصفور»، وأنا زبون دائم للمعلم محمد عصفور، وهو أحد أشقاء ثلاثة يعملون في الصالون نفسه، وكلهم لطفاء بالطبع، لكن محمد مختلف «بصراحة»، فهو أبرعهم في إدارة الندوة الحوارية التي لا تتوقف مهما كان عمر ومستوى الزبون، حتى إن محمدا لديه «لابتوب» في وضع تشغيل على شاشة واحدة، وهي شاشة بورصة الأسهم في سوق عمان المالي، فالمعلم محمد يدير محفظة وربما أكثر في هذه البورصة، ويبيع الأسهم ويشتري أثناء تعامله مع رأس الزبون، أنا شهدت أكثر مرة قراره ببيع أسهم، من خلال اتصاله مع أحدهم، قائلا له «بيع بسرعة».
أمس؛ وخلال جلوسي على كرسي الحلاق محمد، استمعت لقصص لم أشارك بها، لأن محمد لاحظ تحفظي وعدم مشاركتي فاعتقد بأنني ضجرٌ بحديث الزبونين المتواجدين على الدور، خلال 5 دقائق «وهي اطول مدة لجلوسي على كرسي أي حلاق في الدنيا»، انفعلت داخليا، وتشكلت لدي فكرة هذه المقالة..
اول من جلس ينتظر دوره، رجل في نهاية الستينات، مغترب في قطر الشقيقة، ويبدو أنه يعمل طبيبا أو في المجال الصحي، وقال للحلاق بأن ابنه «يزن» ترك الدوحة وذهب إلى أمريكا، ليكمل بل يبتدىء من جديد العمل في الطب، وقال بأنه سيقوم هناك بإعادة الامتياز والإقامة ويشتغل على نفسه من الصفر «الطبي».. ثم دلف الى الصالون زبون خمسيني، متخم بالحكايات، ولديه هبرة وسيرة مرضية ودوائية، وباشر الحديث مبتدئا بانتقاد، وعبر عن شكوى عميقة وموسوعية من التلاعب بأسعار الدواء.. حيث قال ساخرا بداية حديثه ( سمحوا للمسافر ان يحمل معه دواء لمدة ستين يوما؛ ثم فتح الباب لحديث من طرفه، يتحدث فيه طرف واحد، وهو الزبون نفسه:
بمقدمة من كلمات قليلة جدا، لا أعرف زبطت معه، شرع بذكر أسماء أدوية للسكري، قال بان سعر الباكيت الواحد منها يعادل دينارا واحدا في مصر، وديناران في تركيا، لكنه في الأردن 38 دينارا!، ثم ذكر أسعارا تشبهها عن دواء يتناوله المرضى الذين ركبوا «شبكات» قلب، قال بأن الشريط يحتوي 30 حبة، والباكيت كله ثمنه 12 جنيها في مصر، وقال حوالي «نص دينار»، لكن ثمن الباكيت نفسه في الأردن حوالي 7 دنانير.. !.
وكان المغترب الاردني في قطر، أعني الرجل السبعيني «أبوه للدكتور يزن اللي ترك قطر وراح لأمريكا»، يضفي ما ينبغي من تأييد، واندهاش على قصص الزبون المريض الخبير باسعار العلاجات المذكورة في ثلاث دول (الأردن ومصر وتركيا.. والهند عند اللزوم).
قبل أن ينتهي محمد من قص شعري، كانت أسعار الدواء، مقدمات رقمية مثيرة، تنطوي على فكرة، نضجت للتو في دماغي وشكلت مقالة أطول من شعري الذي قام الحلاق بقصه..
وفهمت بأن معنى ان تسمع حديثا مثيرا وأنت تجلس على كرسي الحلاق، قد يوقف قلبك عن النبض، أو على الأقل يروض شعرك، فيقف او ينتظم تحت أسنان ماكنة الحلاق، ومهما طال شعرك فماكنة الحلاق تنتظره، فشعرك سلعة محتكرة لتلك الماكنة «الحصادة»، تماما كسوق الدواء في «البلد»، له حصادات معروفة، تصبح معها الأمراض والمرضى، مجرد سلعة يحصدها الحاصدون بالثمن الذي يريدون.
قال لي محمد نعيما، فأجبته : الله ينعم عليك وع «البلد».
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي