برغم كل الازمات الأخيرة، الا ان الواضح، ان استجابة الدولة لها، ضعيفة وبذات الطريقة المعتادة، فلا تغيرات كبرى، واذا حدثت تغيرات فهي ستكون فقط على الأسماء، دون السياسات، التي سوف تبقى كما هي، وهذا امر شبه مؤكد، الا اذا ثبت العكس لاحقا.
نشتري الوقت، على أساس سياسة قائمة على استجابة بطيئة ومتدرجة ، ومقاومة كل الدعوات، لإصلاح هذه البلاد، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وليس ادل على ذلك من الطريقة التي تتم بها معالجة ملف الإصلاح السياسي في الأردن، عبر الهروب نحو العناوين، وشراء الوقت، والحوارات غير المنتجة التي اسرفنا فيها على مدى سنين متواصلة، دون أي نتيجة مؤثرة، سواء على صعيد قانون الانتخابات، او الأحزاب، او النقابات، وغيرها من قوانين. في ظروف هبة نيسان عام 1989 لم تكن استجابة الأردن، بطيئة، بل سريعة، تجلت بعودة الديموقراطية، والميثاق الوطني، وغير ذلك، فقد ادرك من ادرك ان هناك أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية تجمعت معا في توقيت واحد، وافضت الى رد فعل شعبي صعب، فكانت الاستجابة هنا، علاجا، من جهة، ومدركة أيضا لأهمية التغيير في كل السياسات الداخلية. كلما اشتدت الضغوط الخارجية، والدعوات الداخلية، تتم جدولة ازمة الإصلاح السياسي، بهذه الطريقة، ولو لم تكن هناك ضغوطا خارجية ودعوات داخلية للإصلاح، ومع تزامن كل هذا مع أزمات بحاجة الى حلول واستيعاب لبقي كل شيء على حاله، وتراجع وضعنا اكثر.
الأسماء التي كانت تدافع عن السياسات القديمة، وما نجم عنها من ممارسات وقوانين، وحين تستشعر ان هناك تغيرات مطلوبة، تقفز ذاتها لتمارس الدور الإصلاحي، وكأننا بلا ذاكرة، خصوصا، ان هناك من هو مصر على ان لا يفهم، ان سبب المشكلة، لا يمكن ان يكون الحل. الازمات التي عشناها، مؤخرا، أزمات حساسة لم نعش مثلها سابقا، كانت تفرض إعادة ترتيب الأوراق، داخل الدولة الأردنية، وليس الاندفاع نحو أنماط تتسم بالتضليل واضاعة الوقت والبطء والتدرج السلبي، من اجل الظهور بصورة الذي يفهم الازمات ويتعامل مع كلفتها.
على سبيل المثال هنا، ولو وقفنا عند الوضع الاقتصادي، فأن كل المؤشرات حول المديونية والبطالة وغلاء الأسعار وخسارة عشرات الالاف لأعمالهم، لم تتم معالجتها بشكل صحيح، بل ان الازمة الاقتصادية تتفاقم، وتعطي مؤشرات على وضع اسوأ خلال السنين المقبلة، وهذا من جهة ثانية، يؤشر على سوء تقدير من جانب المسؤولين، لما يعانيه الناس اقتصاديا، ويترافق مع عدم رضا عن القوانين السياسية، ووضع الحريات، وغير ذلك من أوضاع ترتبط أيضا، بالوضع الاجتماعي، وتفشي الغضب والجريمة والطلاق والعنوسة والعنف، وغياب العدالة. لا يمكن لمن يحلل المشهد الداخلي، ان لا يقرأ كلفة هذه الازمات على الوضع بشكل عام، لكن اللافت للانتباه هنا، أيضا، ان كل هذه الازمات تتم معالجتها، عبر وسيلتين أولها جدولة الازمات وتأجيلها الى وقت متأخر، بحيث ستصبح كلفتها اعلى، وثانيها شراء الوقت، عبر مشاغلة الداخل الأردني، بالكلام عن سياسات جديدة، وجلسات عصف ذهني حول الإصلاح السياسي، مثلا، وتبادل الأفكار حول كل ما يخص الحياة السياسية، وهذا تصنيع للوهم. لقد طالب كثيرون ومنهم كاتب هذه السطور، بأن يتم تقدير تأثير الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بطريقة مختلفة، وعدم التهاون بشأن كلفتها، وأثرها على الأردن، وان يتم ودون تأجيل، او تسويف، او شراء الوقت، معالجة كل هذه الازمات، من اجل تحقيق حالة استرخاء داخل الأردن، بدلا من الحالة التي نعيشها اليوم، والتي تتسم بفقدان الثقة، وهي حالة نراها في كل هذه الشكوك التي تعصف بالناس، حول حياتهم وواقعهم ومستقبلهم. الذين يظنون ان التصرف ببطء، يثبت ان الدولة قوية، ولديها حساباتها التي لا يفهمها الجمهور، ولا تتأثر بأزمة صغيرة او كبيرة، يقعون في خطأ كبير، لان الاستجابة ومعالجة الازمات، هو الدليل على قوة الدولة وحيويتها، فيما مواصلة ذات السياسات، يقول بشكل علمي اننا نسير نحو وضع اكثر صعوبة، على كل المستويات، وهذا ما يحذر منه كل المراقبين.