الثلاثاء، 14-01-2020
03:39 م
القراءة والكتابة والبحث والابداع ظواهر ترتبط بصور الامم وتأثيرها في العالم. في بلادنا ما يزال الانفاق على البحث العلمي والثقافة هو الادنى بين اوجه وبنود الانفاق الحكومي والمجتمعي. ففي الوقت الذي تخصص فيه البلاد ما يزيد على 30 % من موازنتها للامن والدفاع تنخفض المخصصات الحكومية لدعم البحث ورعاية الابداع والنشاط الثقافي الى اقل من 1 % من الموازنة.
الموازنات التي تعدها الحكومات وتقرها المجالس التشريعية تعبير عن التوافق الذي يجري بينهما على ما هو مهم واقل اهمية. فالتخصيص المالي وخطط الانفاق عمليات تستند الى سياسات جرى تبنيها من قبل الدولة لتعبر عن اهتمامات صناع القرار والاولويات التي يرونها. ايا كانت هذه السياسات والاولويات التي يجري اعتمادها فمن المتوقع ان يلاحظ الناس آثارها ويلمسوا انعكاساتها على نوعية الحياة وشكل الانشطة التي يمارسها المجتمع ويقوم بها الافراد او يفضلون الالتحاق بها.
في الاردن ما تزال الدراسات والبحوث العلمية متواضعة العدد وقليلة التأثير مقارنة بالأبحاث والدراسات التي تجريها الجامعات في البلدان الصناعية التي تشهد نهضة علمية واقتصادية مزدهرة. في جامعة سنغافورة زاد عدد الابحاث العلمية العام 2018 عن مجموع ما انتجته عشر جامعات حكومية أردنية.
الانطباع العام الذي يتناقله الناس ان الشعوب العربية ومنها الأردني لا يقبلون على القراءة. الكثير ممن يحملون هذا الانطباع يسوقون العديد من الشواهد والامثلة للتدليل على قلة اكتراثنا بالبحث والقراءة. في بلادنا من النادر ان تصادف اشخاصا يحملون في ايديهم كتبا او تستمع الى اشخاص يتحدثون عن كتب قرؤوها. في السينما والدراما العربية قلما نجد مشهدا او مقطعا مصورا لسيدة او شاب وبيده كتاب.
في الحالات التي يبدي فيها البعض اهتمامه بالكتاب يمكن التوقف للتدقيق فيما اذا كان الاهتمام حقيقيا ام مصطنعا. في رواية لأحد سفرائنا في الخارج انه كلف من قبل أحد اصدقاء والده بشراء مجموعة من الكتب الشهيرة التي يوصي بها للاقتناء. وما ان انتهت المكالمة حتى اعاد صاحبنا الاتصال بالسفير ليؤكد على ضرورة انتقاء كتب ذات اغلفة جميلة وملونة فهو قد لا يقرأ أيا منها لكنه يريدها ديكورا للمكتبة في قصره الجديد.
غياب مشاهد القراءة في المقاهي والمتنزهات وطوابير الانتظار والمطارات واختفاء وضعف الاقبال على شراء واقتناء الكتب مؤشرات على تدني مستوى القراءة بين الشباب والكبار على حد سواء. الجهود التي تبذل باتجاه تشجيع القراءة وتوفير الكتاب محدودة وموسمية. في البلاد التي كانت مركزا للاشعاع الحضاري والقيم التي اقبلت على تبنيها الامم والشعوب تدهورت القراءة الى مستويات متدنية.
في تصفحي لقائمة الكتب العشرة الاكثر مبيعا لعام 2019 لفت انتباهي عودة القارئ العربي الى شراء كتب جرى تأليف البعض منها قبل عقود. غالبية الكتب الاكثر مبيعا هي التي ألفها كتاب من خارج العالم العربي مثل كتاب “عالم صوفي للمؤلف النرويجي جوستاين غاردر” وكتاب “الخيميائي للمؤلف البرازيلي باولو كويلو” وكتاب “صاحب الظل الطويل لجين وبستر” اضافة الى كتابي “قواعد العشق الاربعون” و “فتاة لا تحب اسمها ” للكاتبة التركية ألف شافاق.
إلى جانب ضعف الانفاق على الثقافة وتدني المكانة الاجتماعية والاقتصادية للعلماء والكتاب مقارنة مع بعض المهن والمراكز والادوار الاخرى يجري في كثير من الحالات الاعتداء على الملكيات الفكرية والحقوق للاشخاص المبدعين الامر الذي يحرمهم من الافادة من نواتج ابحاثهم وابداعاتهم واعمالهم ويضعف الدافعية لدى البعض للعمل والانجاز او يدفعهم للهجرة بحثا عن بيئات قادرة ومهتمة في توفير الحماية لأعمالهم ومنجزاتهم.