في 24 تموز 2023، ينتهي العمل باتفاقية لوزان، التي وقعتها الدولة العثمانية مع الحلفاء المنتصرين في الحرب على الامبراطورية العثمانية، التي حكمت أجزاء شاسعة من العالم لمدة 600 عام، حتى فسد الحكم فيها، وأصبحت منهارة، فاشتبكت في حرب ضد الحلفاء، وتم تقاسم (تركة الرجل المريض)، وأذعنت لشروطهم، التي كبلتها لمدة 100 عام، ابتداء من 24 تموز 1923 .. وباختصار، يمكننا القول أن القرار التركي كان مرتهنا خاضعا لشروط كتبها الحلفاء (بريطانيا فرنسا ايطاليا اليونان اليابان يوغسلافيا..الخ)، لكنها ستنتهي، بغض النظر عن تقبل العالم لإمكانية عودة تركيا كدولة قوية لها مطلق الحرية في اتخاذ قراراتها السيادية..
كل الدول العربية كانت تحت الحكم العثماني، وتم اعتبارها من ضمن (تركة الرجل المريض)، وقد استقلت وتحررت منذ هزيمة الدولة العثمانية عام 1923، لكنها دخلت حقبة جديدة من الوصاية والاستعمار، لم تستقل منها وتنعم بحرياتها وسياداتها على قراراتها، إلا بعد تقسيمها لعدة دول، وولادة كيان غريب في المنطقة، لم يتم تبرير وجوده حسب القانون الدولي آنذاك، وفي الوقت نفسه لم يتم ترسيم حدود واضحة لهذا الكيان لا في قوانينه ولا في القانون الدولي، ولم تعلن شروط ولا مدد زمنية لتاريخ إنهاء وجوده، أو انتهاء خطره المتعلق بعدم ترسيم حدوده الجغرافية والسيادية والأمنية، حيث تقوم عقيدته الأساسيه على التوسع والاستيطان، والحلم بضم كل الوطن العربي ليكون ضمن حدود هذا الكيان وليس فقط فلسطين أو أجزاء منها، ولا يمكن ان نفهم أن ما يجري من ازمات وحروب وانهيارات ومنع تطور وتقدم واستقرار في كل ارجاء الوطن العربي، بمعزل عن عقيدة هذا الكيان الغاصب، فخطره ليس موجها ضد فلسطين وحدها ولا ضد بلد عربي وحده..
تركيا عمليا، تحررت من تلك الاتفاقية، وأذعنت لشروط المنتصر، وهاهي تتأهب للخلاص من قيود الاتفاقية التي منعت تلك الدولة من كثير من حريتها في الاقتصاد والسياسة وبناء قوتها الخاصة، وهي وفي غضون سنوات قليلة، تمكنت من التخلص من كثير من أزماتها ومشاكلها وحتى لو لم تفعل فعلا، فيمكنها ان تبني نفسها بحرية تامة، بعد أن تتحرر من تلك الاتفاقية عام 2023، لكن هذه النتيجة لا يمكن للدول العربية ان تصل إليها، لأنها لم توقع على اتفاقية مشابهة لاتفاقية لوزان، ولم يتم الاعتراف بها ككيانات او دول خاضعة لشروط سياسية وعسكرية ما، بل إن تلك الشروط غير مكتوبة ولا معروفة حتى يومنا هذا، وهي مرشحة للعبث والاجتهاد الصهيوني..
الدولة الاردنية الحديثة، بحدودها المعروفة، واحدة من تلك الدول العربية التي استقلت عن تركيا، وحالها كحال غيرها من الدول المستقلة عن الحكم العثماني، ولا يمكننا ان نتجاهل شروط المنتصر وإذعان المهزوم أو المستقل حديثا، فالقيود التي تكبل مثل هذه الدول كثيرة، وخاضعة للاجتهادات، وهنا يأتي دور السياسة والعمل على تحقيق المصالح الوطنية العليا لهذه الدول.. فالأردن مثلا، وعلى امتداد ال 100 عام من عمر دولته الحديثة، استطاع الصمود والبقاء والبناء، رغم وقوعه جغرافيا في عمق منطقة الصراع، ورغم الأعباء الكثيرة التي فرضها عليه هذا الجوار مع العدو الصهيوني الذي يسيطر على فلسطين، ولا يعلن حدوده ولا حدود عقيدته الأمنية المبنية على فرضية القلعة.
لم ارغب بالتحدث عن اتفاقيات السلام مع الكيان الصهيوني، ولا عن اتفاقيات التطبيع معه، فذهبت الى جذر المشكلة لأنها مشكلة لم تنته من الأساس، ولم يوقع أطرافها على اتفاقيات كاتفاقية لوزان، وبهذا فإن المشكلة مع (العدو المنتصر) لن تنتهي لأنها كانت من طرف منتصر، اعلن استحواذه على اراضي غيره، وما زال لا يعترف بغيره ولا بحقوقه لا في الموارد الطبيعية ولا حتى في الاستقرار.
قضيتنا مع الصهيونية وكيانها الغاصب ما زالت قضية قومية ولا يمكن أن تتحملها دولة عربية واحدة او تنوب عن باقي العرب لحلها.