من المفارقات الطريفة في الانتخابات المغربية أن تعديلات قانون الانتخاب التي عارضها واحتج عليها بقوة حزب العدالة والتنمية ( الإسلامي ) هي التي انقذته من خسارة أشدّ هولا. فالتعديل أراد محاباة الأحزاب الصغيرة على حساب الأحزاب الكبرى برفع قيمة المقعد (القاسم الانتخابي في نظام التمثيل النسبي) وذلك بتقسيم عدد المسجلين في سجلات الناخبين على عدد المقاعد وليس بتقسيم عدد المقترعين فعلا. ومع إستخدام نظام اعلى البواقي تتحقق نفس الظاهرة التي رأيناها عندنا مثلا في انتخابات 2013 حيث حصلت على مقعد قوائم لديها أقل من ثلث أصوات قوائم أخرى حصلت أيضا على مقعد واحد. و في الانتخابات المغربية الأخيرة على سبيل المثال حصل حزب الأحرار في دائرة مكناس على مقعد ب 20 الف صوت وحصل حزب العدالة والتنمية الاسلامي على مقعد بخمسة آلاف صوت وتكرر ذلك في غير دائرة ولولا هذا النظام لخسر حزب العدالة والتنمية نصف المقاعد القليلة التي حصل عليها. وهذا درس بليغ بضرورة عدم دعم أو معارضة نظام انتخابي بعينه سندا للواقع القائم في لحظة بعينها فهو يتغير والمستفيد اليوم قد يكون المتضرر غدا.
نزل حزب العدالة والتنمية من موقع الحزب الأكبر ( 125 مقعد في انتخابات 2016) الى ذيل القائمة ب 13 مقعد، وكان ترتيبه ثامنا وتفوق عليه حتى حزب التقدم والاشتراكية (الحزب الشيوعي سابقا) بحصوله على 21 مقعدا ولم يدفع الثمن السياسي لمشاركته في الحكومة خلال الدورة الماضية بل يبدو أنه إستفاد لتقوية حضورة وربما من خلال أداء وزارة «إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان» التي اسندت لأمينه العام نبيل بن عبدلله. ولعل حزب العدالة قد كرر تجربة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (يسار) الذي شكل حكومة إئتلافية برئاسة عبد الرحمن اليوسفي عام 1998بتكليف من الحسن الثاني في أول تحول نحو التداول الحزبي على السلطة التنفيذية. وقد تراجعت مكانة الحزب وهو إحتل المرتبة الرابعة في الانتخابات الأخيرة وحصل على 35 مقعدا وعاد حزب الاستقلال العريق ليصعد الى المرتبة الثالثة مع 81 مقعدا وحافظ حزب الأصالة والمعاصرة على المرتبة الثانية ب 86 مقعدا.
قيادة الحزب الحاكم قدمت استقالتها على الفور كما يحدث في اعرق الديمقراطيات ومع ان بيان القيادة غمز من نزاهة الانتخابات ولام انواعا من التدخلات لكن هزيمة ساحقة كهذه خفضت مقاعد الحزب من 125 مقعدا الى عشر هذا الرقم لا يمكن تفسيرها بغير الانفضاض الواسع للناخبين عن الحزب أكان بسبب السياسات الاقتصادية التقشفية التي أضرت بالفئات الشعبية أو بسبب التطبيع مع اسرائيل وهو ثمرة صفقة اعتراف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء. وثمّة رأي ان الحزب دفع ثمن سياسات لم يكن دائما سيد القرار فيها.
يحب البعض التأكيد على ان حزب العدالة ليس المعادل المغربي للإخوان المسلمين فلا يجوز الخروج بفرضية أفول عصر الإخوان المسلمين بناء على الانتخابات المغربية. لكن الاستنتاج يمس الاسلام السياسي عموما والذي صعد بكل قوة مع الربيع العربي وبدأ يفقد زخمه، والدرس الأهم ان استلامه للحكومة يجب أن لا يخيف احدا ما دام ملتزما بالدستور وأسس والديمقراطية والعودة لصناديق الاقتراع للحكم عليه مجددا. وقد رأينا كم كان حكم الناخبين في المغرب قاسيا، وفي هذا درس للجميع.