مخطئ من یظن ان الضغط الأمیركي، على طھران، سببھ الأساس یعود إلى الملف النووي، او ملف الصواریخ طویلة المدى، فقط، وھذا یعني ان كل الضغوطات الحالیة المتبادلة بین الامیركیین والإیرانیین، اذا قادت إلى مفاوضات سریة، عبر وسطاء، فسوف تتناول الملفات الأھم، التي یبدو التسلح الإیراني، في ذیل قائمتھا، ولیس في مطلعھا.
الامیركیون والایرانیون، اذا تفاوضوا سرا، عبر وسطاء، سوف یقفون امام ملفین أولا، فیما ملف التسلح الإیراني، یأتي ثالثا، إذ إن الملفین الأھمین، ھما، ملف التمدد الإیراني، في العراق وسوریة ولبنان والیمن، والملف الثاني، أمن إسرائیل، وبلا شك فـإن الملف النووي الإیراني، والصواریخ الإیرانیة، یرتبطان بشكل مباشر، بالملفین السابقین.
معنى الكلام، ان جوھر الأزمة بین الأمیركیین والإیرانیین، یرتبط فعلیا بمخاوف واشنطن، بشأن أمن إسرائیل، ومخاطر التمدد الإیراني في المنطقة، فیما السلاح الإیراني ھنا، وسیلة لتقویة الجانب الإیراني، وزیادة قوتھ ونفوذه.
علینا ان نسأل ھنا عما سیحدث إذا فاوض الأمیركیون سرا، بشأن صفقة ترضى بتواجد الإیرانیین، وترسیم نفوذھم علنا وبشكل نھائي، في أربع دول عربیة، مقابل عدم التعرض لإسرائیل، والتوقف عن المشروع النووي الإیراني، واذا ما كانت طھران سوف تقبل ھكذا صفقة، عبر قبول خریطة نفوذھا الجدیدة في ھذه الدول، ووقف الحرب ضد معسكرھا، بوسائل مختلفة في ھذه الدول، مقابل طي الملف النووي، كلیا، وبحیث تتحول ھذه الصفقة لاحقا، إلى صفقة معلنة، لكن دون التطرق إلى ھذه التفاصیل السریة، وإعلان التسویة، عبر عناوین أخرى مرتبطة بالنووي والصواریخ طویلة المدى!.
یدرك الإیرانیون ھنا، ان قبول ھكذا تسویة، مفید لھم، عبر ترسیم نفوذھم، ووقف الحرب ضدھم في ھذه الدول الأربع، لكن المشكلة ستكمن في تخلي طھران لاحقا وعلنا عن مشروعھا ضد إسرائیل، بما یعنیھ ذلك، من تحولات على صعید ملف حزب الله في لبنان، إضافة إلى وقف دعم تنظیمات فلسطینیة، وغیر ذلك، وھذا سیعني لحظتھا سقوطا مروعا للمعسكر الإیراني، الذي سیظھر علنا بصورة الذي قایض على نفوذه في المنطقة، وما فیھا من ترسیمات مذھبیة واجتماعیة، وثروات، ونفط ومیاه، مقابل صون أمن إسرائیل، وعدم التعرض لھا، والتخلي عن كل ملف التسلح العسكري، بأشكالھ المختلفة.
الجانب الآخر في ھذه القصة یرتبط بالمشروع الإیراني ذاتھ، واذا ما كان حقا، سیكتفي بھذه الدول الأربع، او انھ یرید التمدد اكثر في دول عربیة أخرى، ومن ھذه الزاویة یمكن ان یتم فھم الشكوك العربیة في الجانب الأمیركي واستعداد واشنطن للتخلي عن حلفاء تاریخیین واستراتیجیین مقابل صفقة مع الإیرانیین، بما یھدد أیضا، امن الخلیج العربي، وتدفق النفط، وطبیعة الخریطة الجغرافیة السیاسیة الاجتماعیة لبقیة الدول العربیة، التي تجد نفسھا الیوم، امام اخطار عدة.
إمكانیة حدوث تسویة سریة بشروط غیر معلنة، تنقلب لاحقا إلى تسویة علنیة، بشروط أخرى، لإخفاء الشروط السریة، والتوافقات المحتملة بین الامیركیین والإیرانیین، إمكانیة قلیلة جدا، خصوصا، ان ھناك تداخلات كثیرة تتجاوز حسابات الامیركیین والإیرانیین، وتمتد إلى تل ابیب وموسكو وعواصم عربیة وأوروبیة أخرى، ولكل طرف حساباتھ.
المكاسرة القائمة الآن، بین الامیركیین والإیرانیین، تھدف إلى التصعیدـ، توطئة للمفاوضات، لكن الازمة الحقیقیة ترتبط بالثمن الذي یریده الإیرانیون سرا وعلنا من العالم، وھو ثمن قد لا یقبل الامیركیون دفعھ، على الاغلب، وھذا یعني اننا سنبقى امام ازمة متدرجة، ومتصاعدة، تھدأ تارة، وتنخفض تارة، حتى یصل الإیرانیون إلى مرحلة، لا یعود فیھا لدیھم القدرة على احتمال نتائج العقوبات، ولحظتھا، ستكون المنطقة امام سیناریو الحرب، بعد ان استعصت كل السیناریوھات الأخرى، خصوصا، ان طھران لن تقبل الموت البطيء لنظامھا وشعبھا، وستجد وسیلة ما، لخلط كل الأوراق مجددا، أیا كانت كلفة ذلك.
یستحیل تسویة ھذا الملف، علنا، مالم تحدث ھناك تسویة سریة، أولا، وھذه ھي الخلاصة، التي تثیر قلق وحذر اطراف عدة في المنطقة، لا تعرف ماذا قد یحدث في العتمة بعیدا عن عیونھا.