في أوقات الأزمات تزدحم المسؤوليات، ويجد المسؤول نفسه عالقا وسط أكوام من المهمات الطارئة والمبرمجة، وقد يضطر أحيانا إلى إعادة النظر في جدول أولوياته لمواكبة المستجدات.
الحكومة تحاول قدر المستطاع تلبية الطلب المستمر والمتزايد من الجمهور، خاصة في ظل أزمة كورونا التي فرخت سيلا من التظلمات والمشاكل على جميع المستويات الشعبية والقطاعية، وفي الوقت ذاته تسعى لإثبات التزامها بالمهمات الأساسية التي أدرجت في برامجها.
في الأشهر الأولى من الأزمة تبلورت حالة من الرضى العام عن أداء المؤسسات الرسمية، عكستها انطباعات الجمهور واستطلاعات الرأي العام، لكن مع مرور الوقت وبروز المشكلات الناجمة عن الجائحة، كان من الصعب جدا المحافظة على هذا القدر من التقدير والثناء، والجدل الذي دار ويدور حول ثنائية الصحة والاقتصاد يمثل دليلا واقعيا على التحول في اتجاهات المواطنين، وإدراك بعض المسؤولين لصعوبة الوفاء بمتطلبات الاقتصاد في حال تسجيل معدلات مرتفعة من الإصابة بفيروس كورونا.
إرضاء الناس غاية لا تدرك، ويستحيل على أي حكومة مهما امتلكت من الموارد والقدرات أن تستجيب لطلبات الجمهور في كل الأوقات والظروف، والأخطر من ذلك أن تعطي الانطباع بقدرتها على تحقيق ذلك أملا بكسب الرضى، لأنها ستواجه أزمة مصداقية بعد حين.
ولذلك ينبغي التفريق بين الدعاية والتواصل مع الجمهور. ما نشهده في بعض الأحيان هو تحول في نمط العمل الحكومي من الحرص على الإنجاز إلى اعتماد منهج الدعاية، وتصوير العمل الروتيني المعتاد على أنه إنجاز خارق.
وفي حالات أخرى ثمة ميل مفرط لإطلاق الوعود بالتصدي لحل مشكلات مزمنة، نعلم جميعا صعوبتها، وحاجتها إلى معالجة وفق برامج زمنية طويلة المدى، أو أنها في الأصل مشكلات مزمنة ترتبط بموروث اجتماعي يصعب تفكيكه بقرارات وزارية.
لم أسمع عن حكومة في العالم لديها برنامج عمل يتغير كل أسبوع، وأولوياتها تتبدل على نحو متسارع. لا أشك بالنوايا والرغبة الصادقة في تحقيق إنجاز حتى ولو كان لغايات سياسية أو شخصية، لكن التمادي في هذا الأسلوب قد يفقدنا القدرة على التركيز على الهدف، ويتركنا في متاهة وسط بحر من التعهدات التي يصعب جدولتها والوفاء فيها.
أكثر ما ورط الحكومات في أزمة ثقة مع الجمهور، المبالغة في إطلاق الوعود والتسرع في”دق الصدور”، وحين يمر الوقت دون تحقيق أثر ملموس تنطلق الأسئلة الاستنكارية من المواطنين وتنتهي إلى شعور عميق بعدم الثقة.
وفي أحيان كثيرة يشعر المراقب بأن المسؤول ذاته ينطق بكلام يدرك في قرارة نفسه أنه غير قادر على تنفيذه، أو أنه يسوقه في إطار الدعاية، خاصة عندما يحرص على تكراره مرات عديدة. يظهر عدم اليقين جليا على وجهه حتى عندما يحاول تلوين مشاعره والتحكم بحركاته.
التواصل مع الجمهور هو من صلب عمل الحكومات، أما الدعاية فهي عمل من صميم التجارة.