قبل انتهاء ولاية الدكتور عمر الرزاز وزيادة الحديث عن اقتراب مغادرته الدوار الرابع، كتبت مقالا بعنوان “من هو بديل الرزاز؟”.
لم يكن ذلك دفاعا عن الرجل أو تعجيلا بتغييره، وإنما لأن المعادلة الأصعب في أي تغيير في الكون هو البحث عن البديل الأنسب والأفضل والأمثل، وهذا يكاد يكون ضربا من الخيال في الأردن!
تتناثر هنا وهناك أقاويل بأن رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة يسعى لإعادة تشكيل حكومته باعتباره أنهى تنفيذ ما جاء في كتاب التكليف السامي. هكذا يقولون، فبالنسبة لي لم أسمعها مباشرة من الرجل أو من أي وزير من فريقه المقرب منه. وللأمانة المهنية، فأنا سأتعامل معها كما لو أنها فرضية وليست واقعا، وذلك لغياب الدليل عليها.
لست مهتما جدا ببقاء الرئيس أو رحيله، فما هو سوى مسؤول كلف بمهمة قيادة السلطة التنفيذية، وهناك بالتأكيد من هو صاحب الحق في تقييمه؛ أداء ومنجزا، وفي أي الملفات سجل نجاحا، وأيضا أين كان الإخفاق. لكنني مهتم بما هو قادم سواء بقي الرئيس أو غادر، إيمانا مني بأننا يجب أن نكون دولة مؤسسات، ناهيك عن أن مشاريع الإصلاح التي تم إقرارها مؤخرا ليست مرتبطة بحكومة بعينها، كونها صممت كخطة عابرة للحكومات، ويمتد عمرها التنفيذي على مدار عشرة أعوام.
الحكومة الحالية حباها الله حظا غير مسبوق، فالناس الذين تعرضوا لأشكال متنوعة من عذابات الأسعار والغلاء الفاحش، لم يعبروا عن سخطهم سوى بالفضفضة، والنقابات المهنية والعمالية ومؤسسات المجتمع المدني متهالكة وتعاني من الترهل الداخلي. أما الإعلام فلحسن حظ الرئيس أنه يتعامل مع المرحلة بحرص من منظور الدولة والتحديات التي تواجهها، وليس من منظور السكوت عن أداء بعض المسؤولين.
في الحقيقة، تعودنا دائما أنه ليس مهما من سيأتي إلى الدوار الرابع، إذا كان سيعيد الكرة كما غيره، ويجرب بنا جميع سياسات التنكيل، ولا يكون في جعبته سوى جيوب الناس. ليس مهما من سيأتي إن كان لا يستطيع تقدير التحديات المفروضة علينا؛ داخليا وخارجيا، بحجمها الطبيعي، مثلما لا يمتلك رؤية لتخطي تلك التحديات بالحد الأدنى من الخسائر، أو التضييق على المواطن.
على مدار عقود، تابعنا حكومات عديدة، جاءت وذهبت من غير أن تضع علامة فارقة لها في تحسين اشتراطات عيش المواطن الأردني الذي انتظر طويلا مغادرة عنق الزجاجة، حتى بات يعتبرها “نكتة” يتندر بها في الفضاء العام. بينما رؤساء وزراء عديدون كانوا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم في مرتبة ليس أكثر من مدير كبير، وليس رئيس حكومة تخطط لبلد كامل، وتنفذ جميع الملفات المتصلة به. ربما هنا يكمن أصل المشكلة!
في المحصلة، لا شك يسجل للخصاونة أنه صاحب قرار في العديد من الملفات، مثلما يسجل له ولفريقه الحكومي نظيف اليد. لكن يسجل عليه أنه وفريقه الحكومي بدأوا ببطء، فقد احتاجهم الأمر شهورا طويلة لوضع العربة فوق السكة، لذلك تأخر الإنجاز كثيرا.
في ضوء ذلك، وبالعودة لفرضية سعي الخصاونة لإعادة تشكيل حكومته، فمن المفيد جدا أن تستعرض لنا الحكومة من جديد كتاب التكليف السامي وما أنجزته من مضامين مدعومة بالوقائع والإثباتات، حتى نصل لمرحلة اليقين أن من حق الرئيس إعادة تشكيل حكومته بمهام جديدة ووجوه جديدة لينال الدعم الكامل من الجميع.
نريد ذلك بشدة، لأن إعادة التشكيل تعني صراحة أن الحكومة ستكلف بمهام جديدة بعد أن تكون أنهت ما كلفت به أصلا. فهل حقا فعلها الخصاونة وأنجز ما عليه في مهمته حتى الآن ليمنح فرصة جديدة؟