فشلت أغلب الحكومات في الأردن في السيطرة على الدين العام، وكل عام يمر، ترتفع فيه المديونية، حتى لو ادعت الحكومات انها تسيطر على نسبته العامة.
حين تقرأ ارقام الدين الفلكية، التي تقترب من حدود الثلاثين مليار دينار، مع أرقام خدمة الدين، وتقرأ ارقام ديون الافراد والشركات والمؤسسات التي تتغير تقديراتها وتصل أحيانا إلى ثلاثين مليار دينار أيضا، وهي الديون المثبتة رسميا، وهناك ديون اكثر بين الافراد، غير مسجلة أساسا، ندرك اننا امام وضع خطير.
علينا الاعتراف أن زمن العيش على المساعدات انتهى، وعلينا ان نعترف ان هناك تجفيفا متواصلا للمساعدات، ويتم ربطها اليوم، اما بمشاريع محددة، او لغايات معينة، مثل ادامة وجود الاشقاء السوريين او غير ذلك.
هذا يعني اننا امام فترة اصعب، وبرغم ان الناس بحاجة إلى كلام يرفع معنوياتهم هنا، الا ان أي كلام إيجابي، مجرد تضليل، لشراء الوقت، وجدولة الازمات، حتى يمر هذا اليوم، او الذي يليه، واي تصريحات حول ان الاقتصاد الأردني تجاوز المرحلة الأخطر، تعني فعليا فقط، الخلاص المؤقت على صعيد ملف الديون، وخدمتها، واشتراطات المؤسسات الدولية، وتقييماتها، وليس ان الازمة انتهت، او اننا في طريقنا إلى انفراج اقتصادي عام.
الازمة تتعمق أيضا، ونحن امام ظواهر جديدة، أولها خروج عشرات آلاف الخريجين كل عام إلى السوق، دون فرص عمل، وثانيها تفشي أنماط جديدة من الفقر المدقع الذي لم يكن سائدا، وثالثها تفشي المشاكل الاجتماعية، من الطلاق إلى الجرائم، مرورا بالمخدرات والغضب الاجتماعي، ورابعها استسلام المؤسسات الرسمية للوضع الاقتصادي، واعترافها ان لا حل للديون الا المزيد من الديون، وجدولة الديون، والبحث عن ممولين، ومانحين، ومقرضين.
علينا اذا ان نقف امام الحقيقة التي لا يريد ان يصدقها احد كوننا ننتظر غالبا فرجا من غامض الغيب، وهذه الحقيقة تقول ان الأردن الذي نراه اليوم، غير الأردن الذي عرفناه سابقا، وربما غير الأردن الذي سنراه بعد خمس سنوات، فالتحولات سريعة جدا، ولا تترك مجالا الا وتترك أثرها عليه.
تحميل الحكومات المتتالية، المسؤولية، امر عادل إلى حد كبير، لكن الازمة اليوم باتت اكبر من البحث عن المتسبب بها، خصوصا، ان الازمة الأكبر ترتبط فعليا، بطبيعة الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي سنراه خلال السنين المقبلة، من تفش لكل الظواهر السلبية، وزيادة اضرارها، مع اليقين هنا، ان كل الخيارات الحكومية سوف تنزع نحو مزيد من الإجراءات التي سوف تتسبب بالغلاء، وزيادة كلف الحياة، كون المواطن بات هو الممول الوحيد للخزينة، ولملفات الديون وفوائدها وسدادها.
الحياة أصبحت صعبة جدا في الأردن، في ظل هذه التراجعات، التي يعتبرها البعض، طبيعية، وفي ظل انهيارات كل دول الجوار، معتبرين ان المقارنة هنا يجب ان تكون مع الأسوأ، وهذا كلام جائر في كل الأحوال، ولا يمكن تسويقه او بيعه بين المواطنين.
ما يراد قوله اليوم، اننا اذا افترضنا ان كل شيء نعيشه الآن، بات مقبولا، فهل هناك ضمانات ألا تتراجع احوالنا اكثر، وألا تأتينا الظروف بتداعيات اكثر ثقلا على حياتنا، والاجابة هنا، أن لا احد يقدم هذه الضمانات، وكل شيء قابل للتغيير من أسعار الكهرباء والماء، وصولا إلى رسوم الجامعات، مرورا بخسارة الآلاف لوظائفهم، والآثار الكارثية على مؤسسة الزواج، وانعدام الفرص، وذبح القطاع الخاص، من اجل انقاذ الخزينة، فلا يتم انقاذها، ولا يتم ترك غيرها.
هذه سوداوية، تسبب الكآبة، لكنها واقعية، تقول اننا لم نخرج من الزجاجة، ولا عنق الزجاجة، وما نزال في النفق المظلم، لا نستبصر نهايته أبدا.