كان تفاعلاً جميلاً ذلك الذي تضمنته عبارات الثناء والاعجاب بما فعله طبيب الفقراء النبيل رضوان السعد، الذي عالج الفقراء لما يزيد على أربعين عاماً. لنا أن نتخيل حجم الإيثار والطيب وحب العطاء والانسانية الجمة التي تحلى بها الطبيب الراحل. التقدير والإكبار الذي حظي به من قبل الأردنيين لفعله الإنساني يدل على الخير والقيم والاخلاق الكامنة في مجتمعنا الذي فاخر دوما بإنسانيته، وقيمه المجتمعية، من مروءة وشهامة، وإغاثة الملهوف، وإيواء الدخيل، ونصرة المستضعفين، ومساعدة المحتاجين. العارفون بعمق الدين يخبروننا أن هذا هو المعنى الحقيقي أننا “خير أمة أخرجت للناس”؛ لكوننا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر وفي ذلك تلخيص لكل معاني الأخلاق والشرف والفروسية التي تتحلى بها أمتنا.
لم يشتهر الطبيب السعد إلا بعد أن وافته المنية، فلم ينل حظه من التكريم وهو حي. لكنه حقق مراده بعد مماته، فبعد أن عاش معطاء رحل وغدا قدوةً ومثالا أعلى للكثيرين الذين رأوا في عطائه أسمى مراحل الحياة وأعلاها، مرحلة تحقيق الذات، التي تتجاوز وتأتي بعد كل مراحل النجاح والبناء المادي والمهني بالحياة.
كان حقه علينا ان نحتفي به قبل وفاته، وللتعويض عن ذلك لا بد من أن يكرم بأكثر من تسمية شارع باسمه. لنتخيل إجابة الطبيب النبيل إن كنا قد سألناه ماذا تطلب لكي يؤرخ لما قدمته للفقراء من أبناء شعبك؟ حتماً شخص على هذه الدرجة من الانسانية والإيثار لن يطلب أن نسمي شارعا باسمه، والأرجح أنه كان سيطلب إدامة ما بدأه، أو أن يحذو غيره في طريق الخير الذي اختطه ويعالج الفقراء ويخفف آلامهم.
نستحضر هنا مبادرة “أهل الهمة” التي كرّمت وسلطت الضوء على أردنيين قاموا بأعمال استثنائية تطوعية أو ريادية أو خيرية. لماذا لا تتمأسس هذه المبادرة المتميزة، وتصبح حدثاً سنوياً نحتفي به بخمسة أو عشرة أردنيين قدموا لمجتمعهم الخير الوفير الخارج عن المعتاد؟ سيكون لذلك وقعاً طيباً على الناس، وستبث في النفوس روح العطاء الإيجابية، وسيعلم الجميع حجم الخير والفضيلة المختبئ في مجتمعنا. المبادرة وقتها حققت نجاحا منقطع النظير، وأصبحت حدثاً وطنياً متابعاً حقق الكثير من الاهداف السامية، وأعطى المكرمين حقهم، وقدم قدوة للنشء، ودروساً في العطاء والنجاح. نحن بحاجة لهذا النوع من المبادرات التي تبث الإيجابية والإيثار في مجتمعنا، وسط أجواء تعج بالتحديات والسلبيات. بيننا الكثير من الأردنيين الخيرين فواجب علينا أن نعرفهم ونكرمهم ونحتفي بهم.
رحم الله رضوان السعد الذي ترك إرثاً وصيتا عجز عن تقديمه من وصلوا لأرفع المناصب وتقلدوا أعظم المسؤوليات. يكفيه حجم الحب والدعاء الذي حظي به من قبل الآلاف الذين ساعدهم وخفف آلامهم، يكفيه فخراً الجنازة المهيبة التي ودعته بدموع صادقة لا رياء فيها.