الأربعاء، 24-11-2021
04:23 م
لدينا فرق جاهزة للتطبيل والتزمير، لكل توجه او قرار، ولا تجد أعجب من هؤلاء، فهم ذاتهم قد يروجون لتوجه هنا، ولديهم الاستعداد للترويج لعكسه، اذا كان مطلوبا منهم ذلك.
على طريقة النائحات المستأجرات يعملون، وهذا وجه من اوجه النفاق نجده لدى شعوب كثيرة على هذا الكوكب، الذي لم يعد صالحا للحياة، برأي كثرة، تعاني من هذا العيش، وكلفته، وارهاقه على اصعدة مختلفة، خصوصا، ان الحياة تشتد صعوبتها وضنكها يوما بعد يوم بشهادة الجميع.
أنا هنا لا أتحدث عن الاختلاف الطبيعي، فقد يؤيد شخص ما، توجها محددا، ويعانده شخص ثان، وهذا طبيعي، بل أتحدث عن الشخص نفسه الذي يلتقط التوجه الرسمي، مثلا، او التوجه وفقا لمصالحه الشخصية، فيروج لفكرة، أو مبدأ، أو قرار، عله يفوز بمكالمة ترضية، او عشاء، ويمضي عمره وهو يؤيد، وكأنه منذور للتأييد فقط، دون ان يتنبه الى اضرار ذلك.
خذوا مثلا قضايا مثل عودة وزارة الاستثمار، او التوجه لتأسيس مجلس للأمن الوطني، او اي توجه آخر، وهذان مجرد مثلين، حيث دائما تبرز طبقة محددة، تصفق لكل توجه، ولو عادت الدولة عن هذه التوجهات، لخرج الذين هللوا سابقا، وبرروا هذا التراجع، بوسائل مختلفة، دون ان يرف لهم جفن، وليمتلك بعضنا الجرأة والوطنية وليخرج ويقول انه لا يؤيد لهذه الاسباب.
ماهو المحتوى الذي يمكن تمريره على الناس، بهذه الطريقة المكشوفة، والتي لم تعد تؤثر حتى على كاتبها، الذي يعرف بينه وبين نفسه، انه يؤدي وظيفة هنا، او انه في حالات ثانية يروج لفكرة قد لا تبدو صائبة تماما، والاغرب هنا، ان مثل هؤلاء وحين يثبت لاحقا فشل توجه ما، طبل له وصفّر ذات لحظة، يلوذ بالصمت، ويستصعب ان يخرج ويقول انه أخطأ في تقديراته في قضية محددة.
بسبب هذه الطائفة السياسية، فقدت الدولة تأثيرها في الجمهور، لأن بقية المواطنين باتوا يعتبرون ان هؤلاء مجرد مصفقين دون ادراك حماية لمصالحهم او علاقاتهم الصغيرة، او الكبيرة.
لا تعرف لماذا لا نتخلى مثلا، عن تلوين المواقف، ونلوذ بالتحليل الحيادي والعلمي، الذي يحلل جدوى الاشياء، وكلفتها، ومخاطرها، وفوائدها، واضرارها، والتحليل هنا له قواعده التي لا يجوز ايضا التلاعب بها، خدمة لهدف محدد مسبقا، ومن حقنا هنا، ان نحدد الموقف لاحقا، على اساس موضوعي، تحليلي، وليس على اساس السحجة لهذا او ذاك، او التزاما بموقف شخصي سطحي، او لأننا كعادتنا نحب ونكره، ونحدد مواقفنا بناء على تقديراتنا الشخصية في حالات كثيرة.
الدولة ذاتها تريد لهذه الطائفة السياسية ان تبقى، فهي فعليا لا تضر، ولا تنفع، مجرد جمهور يقفز على خشبة المسرح، ويؤدي وصلة، ويعود الى بيته، وقد استبدلنا بالمفكرين والعلماء والخبراء والمحللين والاستراتيجيين والمبدعين، طبقة انتهازية تعمم الانطباعات وتصنعها بطريقة غير حرفية، حتى نكاد ان نقول لكل واحد فيهم، اذا لم تكن محدثاً صادقاً، فكن مزوراً حاذقاً، حتى يمر الهراء الذي تقوله على ارباع الرجال، وانصافهم.
لا يفيدنا سيل الكلام والانطباعات والتملق، في هذه البلاد، نريد طريقة ثانية، فنحن نعبر ازمات كبرى بنيوية على صعيد الدولة، وازمات مجدولة مقبلة على الطريق، وكل هذه البنى الهشة لا تبني وطنا، ولا تضع خريطة طريق للحلول على مستويات متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية، هذا فوق ان هذه الفرق الانتهازية التي تؤيد كل توجه، دون عمق، لن نجدها في الازمات الفاصلة.
لا نحجر على احد، فالذي يريد ان يكون طبالا، بوسعه ذلك، لكن نعيد التذكير، اننا لا نملك ترف الاستماع لهؤلاء، والأردن يحتاج الى طبقة مختلفة تدير اموره، من المفكرين والاستراتيجيين والخبراء والاستشاريين والمحللين والمبتكرين والمبدعين، فهؤلاء وحدهم تتوفر لديهم وصفات الحلول، اذا وجدوا من يسمع لهم، حتى لو لم يعجب كلامهم هذا او ذاك، ودون استرداد المؤهلين للمواقع الاساسية، ولمنصات القرار والتأثير، وغيرها، سنبقى أسارى لكل هذا الضجيج، الذي يبدو وكأنه يقول شيئا ما، لكنه في حقيقة الأمر، يضرنا جميعا، ويعزز الزيف والوهم في حياتنا، فوق ان قيمة كل هذا الضجيج، لا تساوي بريزة أردنية، بكل أسعار صرف العملات
ايها القوم.
اذا لم تكن قادرا على قول الحقيقة، فاصمت لأن الصمت هنا عبادة.