يبدو أن موعد الانتخابات البرلمانية قد اقترب، والسؤال : إلى أين ستأخذنا هذه الانتخابات ؟ باتجاه مجلس مختلف نوعيا وقادر على دفع حركة الإصلاح في بلدنا، ومراقبة الحكومات وفرملة مقرراتها وإجراءاتها، ومواجهة الأخطار التي تحدق بنا من كل اتجاه، أم إلى مجلس لا يختلف عن المجالس السابقة، بأداء متواضع وإيقاع « ممل « وادوار مقررة سبقا..؟
تحتاج الإجابة إلى اضاءتين: الأولى أن بلدنا يواجه أوضاعا داخلية صعبة، منها ما يتعلق بانسداد الأفق السياسي ومنها ما يتعلق بأزمة المعيشة وتمدد جيوب الفقر وتصاعد أرقام البطالة وانتشار ثقافة الإحباط لدى فئات الشباب وما تولد عنها من ظواهر الإقدام على الانتحار، أما الإضاءة الثانية فهي أن ما يحدث في الإقليم، وخاصة فيما يتعلق بملف القضية الفلسطينية، يشكل تحديا وتهديدا مباشرا لأمننا الوطني واستقرارنا، فنحن جزء من هذه « القضية» نؤثر فيها ونتأثر بها، وبالتالي فان مقاربتنا السياسية يفترض أن تنسجم مع الأحداث والوقائع التي تواجهنا، كما يفترض أن نتعامل معها بمنطق الفهم والاعتبار لا بمنطق التخمين والانتظار.
ما علاقة ذلك بالسؤال حول الطريق الذي نريد أن تذهب بنا الانتخابات إليه ؟، الإجابة تحتمل فرضيتين : الأولى تعتمد على تصور يروج له البعض يستند إلى اعتبار الانتخابات البرلمانية مجرد استحقاق دستوري، وان إجراءها في موعدها، بغض النظر عن التفاصيل الأخرى، يكفي لإقناع الناس أن « المجتمع بخير « وان الصناديق مهما كانت النوعيات المنتخبة ستفرز « برلمانا « يمثل إرادة الناس، والأفضل أن يكون هذا البرلمان كالبرلمانات السابقة، منسجما تماما مع المطلوب، مما يتيح للحكومات أن « تسترخي»، وللسياسة أن تتحرك كما تشاء في أفلاك محددة، ويعتقد هذا البعض – هنا – أن الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تمت تكفي وزيادة، وان الانتخابات اكبر إثبات على أن قطار الإصلاح وصل الى محطته الأخيرة بأمان.
أما الفرضية الأخرى فتقوم على تصور يتناقض تماما مع التصور السابق، حيث يعتقد البعض أن الانتخابات فرصة لإحداث « نقلة « نوعية في حركة الدولة باتجاه الإصلاح، وفي حركة المجتمع باتجاه استعادة الثقة بنفسه وبلده ومستقبله، وفي قدرة الطرفين معا على مواجهة استحقاقات المرحلة القادمة، داخليا وخارجيا، حيث تبدو هذه الاستحقاقات وما يترتب عليها من خيارات واضطرابات مرتبطة بقدرة البرلمان الذي يمثل الناس على التعامل معها بكفاءة، وبما يقنع الناس أن هذا البرلمان يمثلهم حقا ولا يمثل عليهم.
ربما يقال هنا إن « منتج « الانتخابات، حتى وان كانت بمنتهى النزاهة، لن يكون بمستوى إحداث هذه « النقلة « النوعية المطلوبة باتجاه تغيير الصورة، ومواجهة استحقاقات المرحلة القادمة، ليس فقط لان قانون الانتخاب لا يساعد على ذلك، وإنما أيضا لان « تعطل « السياسة وجفاف قوى المجتمع ونخبه وانسحاب الناس من المشاركة وعزوفهم عن العمل العام وعدم ثقتهم بالوعود، تصب كلها في عنوان واحد وهو تواضع « المنتج « الانتخابي، وقد يبدو هذا الكلام صحيحا، باعتبار ذلك نتيجة لسياقات معروفة ومفهومة، ولتجربة طويلة من « انحسار « الديمقراطية، لكن مع ذلك، لابد أن نضع أقدامنا على بداية الطريق، وان نعتبر هذه الانتخابات فرصة حقيقية لتحويل « المسار « والانطلاق نحو مرحلة جديدة، ربما تكون غير مكتملة، لكنها إذا توافرت الإرادة السياسية ستكفي لإقناع الجميع أن الأفق أصبح مفتوحا لولادة الأمل من جديد.