من المؤلم جداً، أن نرى كل هذا الصمت المريب بحق المسجد الأقصى، برغم التحذيرات التي تتزايد يوما بعد يوم، من أجل هدمه، او تقسيمه، وكأن هذه الامة استسلمت وتخلت عن امانتها.
يحكي خطيب المسجد الأقصى المبارك ورئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس الشيخ عكرمة صبري في مقابلة اجرتها الزميلة هديل غبون في عمان، ونشرتها “الغد” عن الخطر الكبير الذي يواجهه الأقصى، ويقول إن..” الحفريات بدأت تحت المسجد الأقصى منذ العام 1967 بهدف البحث عن بقايا هيكل سليمان المزعوم أو أي آثار لليهود، وأصبحت تهدد اليوم قواعد الأقصى، ومنذ ذلك التاريخ لم يتم العثور على أي حجر له علاقة بالتاريخ اليهودي، وبسبب هذه الحفريات هناك تصدعات وتشققات في الجدار الخارجي للأقصى من الجهات الغربية والشرقية والجنوبية، كما لحقت عمليات هدم كثيرة ببعض المباني التاريخية السكنية التي تقع إلى الجهة الغربية المحاذية للمسجد الأقصى، ولم يجدوا شيئا رغم ذلك، حتى إن الاحتلال أزال الأتربة من أسفل المسجد الأقصى، ووصلت الأضرار إلى قواعد وأساسات المسجد الأقصى، حتى يبدو المسجد الآن وكأنه معلق من الأسفل، والاحتلال ما يزال يراهن على حدوث زلزال قوي يهدم المسجد”.
تحذيرات الشيخ، ليست الأولى من نوعها، إذ إن الاقتحامات اليومية، تهدد سلامة المسجد، واحتمال هدم أحد مسجدي قبة الصخرة، أو المسجد القبلي، أو تقاسم الحرم القدسي ذاته عبر السطو على المساحات التي لا أبنية فيها، فوق المخاوف من عمليات التفجير التي قد تجري اسفل المسجد، لكنها تحذيرات تذهب ادراج الرياح، بحيث لا يبقى سوار حماية للأقصى سوى اهله.
يقول المتطرف الاسرائيلي يهودا عتصيون..” لقد شرعنا بمحاولة تفجير الأقصى، وهو مسجد محكوم عليه بالدمار ولست نادماً على محاولتي”، وعتصيون هذا كان عضواً في تنظيم سري، حاول تفجير قبة الصخرة عام 1984، لكن شرطة الاحتلال اعتقلت أعضاءه وهم في مراحل متقدمة من التخطيط، ووجدت بحوزتهم خرائط مفصلة لقبة الصخرة كانوا يخططون لنسفها باستخدام 16 عبوة مجموع زنتها 160 كغم، وهذه مجرد محاولة من بين محاولات ثانية.
ولأن عتصيون ليس وحيدا، يقول مقابله رفائيل موريس رئيس تنظيم العودة إلى جبل الهيكل، “سنهدم قبة الصخرة والمسجد الأقصى بالكامل لإقامة الهيكل، سوف نتدبر الأمر، هذه المباني خطأ وفي المكان الخطأ”، ومعه ايضا رئيس ائتلاف منظمات الهيكل يعقوب هيمن الذي كتب قائلا ” أبحث عن مهندس متخصص في هدم المنشآت والمباني، وتقديم اقتراح لإزالة ونقل قبة الصخرة إلى الخارج، نرجو أن نحظى قريباً بافتتاح المعبد”.
هذه محاولات لاستذكار المشهد، خصوصا أننا عبرنا الذكرى الثالثة والخمسين لحرق المسجد الأقصى، ومنبر صلاح الدين الايوبي، واذا عدنا الى ارشيف العرب في يوم الحادثة، وما بعدها لشعرنا بالخذلان الكبير، إذ إن محاولة حرق المسجد لم تؤد إلا إلى ردود فعل تشجب وتستنكر.
ما بين التصريحات القديمة والجديدة لزعماء ورموز الجماعات الاسرائيلية المتطرفة، مرورا بكل ما نراه من اقتحامات وتحول التقاسم الزمني الى واقع، مرتين يوميا، يبقى التساؤل حول الذي قد يقع خلال الفترة المقبلة، وهو امر تمت الاشارة اليه الاف المرات خلال العقود الماضية.
الذي اختلف اليوم، يرتبط بموقف اسرائيلي موحد على صعيد حكومة الاحتلال، واجهزتها، والجماعات المتطرفة بشأن الاقصى، ودليل ذلك اقتحامات الاقصى اليومية، وزيادة الاعداد، واستمرار الحفريات تحت الاقصى حتى اصبح معلقا، وقد لا يحتمل تفجيرا واحدا من الاسفل، او وقوع هزة زلزالية من درجة غير مرتفعة، وهذا يعني ان حدوث مفاجأة داخل الاقصى، يبقى أمرا واردا في اي توقيت مقبل، قد نصحو فيه على فاجعة كبيرة، لا ينفع معها التنديد.
يبقى التحذير هنا، متجددا، المسجد الاقصى في خطر كبير، وقد نصحو على تفجير، او زلزال تم تصنيعه بدرجة قليلة تضمن سقوط الاقصى الذي بات معلقا اليوم، وقد نجد انفسنا امام سياسة الامر الواقع، اي السطو على المساحات التي بلا بناء داخل الحرم القدسي.