من المرات القليلة والنادرة التي تنجح فيها الدبلوماسية بوقف التدهور في القضية الفلسطينية. منذ تولي دونالد ترامب سدة الحكم في الولايات المتحدة، شهدنا ما يشبه تسونامي الصهيوني ضد الفلسطينيين والعرب وقضاياهم، لم يتمكن احد من وقفه.
قرارات كارثية اتخذتها إدارة ترامب بدأت في الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الأميركية إليها، وفعلت الشيء ذاته بحق الجولان السوري المحتل، ومنحت الاستيطان شرعية خلافا للقرارات الدولية، وتوجت ذلك كله بإعلان خطة للسلام تصادر حق الفلسطينيين بالدولة المستقلة، وتعطي قوات الاحتلال حق التصرف في الأرض المحتلة كما تشاء.
لم يبلع العالم كله تلك الخطوات الخطيرة، وعندما حان موعد تطبيق بنود الصفقة المخزية، بقرارات حكومة نتنياهو ضم 30 % من أراضي الضفة الغربية المحتلة، بدا جليا أن دولا كثيرة حول العالم غير مستعدة أبدا لتمرير الخطوة.
وبينما كانت معظم الدولة العربية منشغلة في أزماتها الداخلية وأولوياتها المستجدة، شرع الأردن والملك عبدالله الثاني بإدارة معركة دبلوماسية شرسة لتعطيل الضم. كان ذلك في وقت مبكر جدا، سمح للدبلوماسية الأردنية بالتنسيق الكامل مع الأشقاء الفلسطينيين، لحشد المواقف الدولية ضد القرار الإسرائيلي.
استثمر الأردن في التباينات السياسية في أوساط النخبة الأميركية ومؤسسات صنع القرار، وفي الشقوق الظاهرة بين أطراف المعادلة الإسرائيلية، مثلما استنفر المناخ السياسي الأوروبي الداعم أصلا لحل الدولتين، والمستاء من سلوك أميركي يخاطر باستقرار منطقة شرق المتوسط المنهكة بالاضطرابات الأمنية والصراعات العسكرية.
كان الرأي العام من حولنا يتابع بدهشة وفخر تصريحات الملك عبدالله الثاني القوية والحاسمة ضد سياسة الضم المنوي تطبيقها. تصعيد غير مسبوق في اللهجة السياسية والدبلوماسية، تحول على الفور لسلوك دبلوماسي نشط تولاه وزير الخارجية أيمن الصفدي لتأكيد جدية مواقف الملك، والاستناد عليها كأساس لموقف أردني لا يقبل المراجعة او النقاش، بصرف النظر عن الكلف المترتبة عليه.
الأردن حليف موثوق للولايات المتحدة والغرب، ولأنه كذلك فقد اتخذوا كلامه على محمل الجد، وأيقنوا بأن ما يحذر منه يمثل بالفعل مخاطر جدية تهدد مصالح جميع الأطراف.
الموقف الأردني كان حاضرا في حسابات الفرقاء الإسرائيليين، وفي كل تقدير موقف أمني أو عسكري إسرائيلي كانت العلاقة مع الأردن تبرز كخسارة محتملة وكبيرة لأي قرارات متهورة يمكن أن تقدم عليها حكومة الاحتلال. كان هذا بمثابة ردع سياسي وأمني ضغطت مؤسسات إسرائيلية لتجنبه قدر المستطاع.
الفلسطينيون سلطة وحركات وتيارات شعبية كانوا شجعانا في المواجهة، ولم يتزحزحوا قيد أنملة عن موقفهم الرافض للضم والصفقة الأميركية المهينة.
ينبغي البناء على هذا الزخم الدبلوماسي وعلى جميع المستويات. لقد ظهر جليا من خلال هذه المواجهة السياسية أن صفقة ترامب بكل ما احتوت هي حل غير قابل للتطبيق، وإذا ما أصرت الإدارة الأميركية على السير فيها فإن السلام المنشود لن يتحقق، بل ستفجر صراعا متداعيا يعرض المنطقة برمتها لحالة غير مسبوقة من عدم الاستقرار.
تعطيل الضم، خطوة مهمة على طريق إسقاط الصفقة، وإقناع البيت الأبيض بالتخلي عنها نهائيا، والعودة من جديد لمبدأ حل الدولتين.