لا يوجد- حد علمي- في دول العالم الديمقراطي أو النصف ديمقراطي تجربةٌ سياسيةٌ في تشكيل الحكومات وتعديلها تشبه تجربتنا، لكي نفهم ذلك يكفي أن نتذكر أنه تشكلت لدينا أكثر من مائة حكومة منذ تأسيس الدولة، ترأسها نحو ٥٠ رئيسا، ولدينا ١٥ رئيس وزراء ما زالوا على قيد الحياة (أطال الله في أعمارهم)، وأكثر من ٧٠٠ وزير سابق، كما أن حكوماتنا تأتي وتذهب دون أن نعرف كيف جاءت ولماذا رحلت، وثمة “جينات” خاصة تسمح للرؤساء والوزراء أن يضمنوا لأبنائهم، وربما أحفادهم، الحصول على حقائب وزارية في أي حكومة قائمة أو قادمة.
في عام واحد، أجرى رئيس الحكومة، بشر الخصاونة، أربعة تعديلات على حكومته، بمعدل تعديل كل ثلاثة أشهر، ما يعني أن بعض الوزراء تم تعيينهم “تحت التجربة”، وفقا لنظام تعيين الموظفين، لكن من المفارقات أن عدم كفاءة أي وزير في وزارته لا يحرمه من الانتقال إلى وزارة أخرى(تحت التجربة أيضا)، على قاعدة “أعطه فرصة” أخرى، كما أن خروج أي وزير لا يعني بالضرورة أن أداءه كان ضعيفا، أو أنه فشل في مهمته، فقد تكون ثمة أسباب أخرى لا نعرفها.
في العادة، لا يحظى تشكيل الحكومات أو تعديلها باهتمام أغلبية الأردنيين، ولا تحتفظ ذاكرتهم بأسماء العديد من الوزراء، سواء أكانوا حاليين أو سابقين، وفي كل استطلاعات الرأي تنحاز الأغلبية الى عدم الثقة بالحكومات، وما زالت ذاكرة الأردنيين تحتفظ بلقطة تاريخية “يتيمة” تمكن فيها البرلمان من إسقاط الحكومة (حكومة سمير الرفاعي العام 1963)، فيما نجحت كل الحكومات الأخرى بانتزاع ثقة النواب وضمنت تمرير ما تقرره من تشريعات وقرارات بأقل ما يمكن من معارضة.
في هذا السياق المزدحم بالاستفهامات، لا يوجد لدى المتابعين للشأن المحلي وما يجري من تعديل على الحكومة ما يمكن الاستناد إليه للفهم أو التحليل والاستنتاج، لكن ثمة ثلاثة اعتبارات قد تساعد في قراءته، الأول رغبة الرئيس – أي رئيس- باختيار وزراء مريحين يسهل التعامل معهم وإدارتهم ويتوقع أن ينسجموا مع توجهاته، الثاني استبدال بعض الوزراء الذين لم يثبتوا كفاءتهم بوزراء آخرين يعتقد أنهم أقدر وأكفأ، أما الاعتبار الثالث فهو تقديم جرعة من الدعم لإطالة عمر الحكومة، وجرعة مماثلة لتطمين المجتمع أن تعديلا على الوجوه والأسماء، سينتج تعديلا على السلوك والأداء والسياسات أيضا.
اختبار الاعتبارات الثلاثة – بالنسبة للناس- غالبا ما يتم بسرعة، سواء أصدروا أحكامهم على خلفية انطباعية، أو خبرة من سوابق ماضية، أو وفق انتقادات موضوعية، ففي بلد مثل الأردن لا يتجاوز سكانه (٧،٥) مليون يعرف الناس بعضهم، وتجتهد النخب فيه بتفتيش الدفاتر ونبش السير الذاتية، وبالتالي يصبح كل شيء مكشوفا، ومتاحا للنقاش الموسمي (أسبوع على الأكثر) خاصة في الفضاء الافتراضي، حيث تتقاطع أصوات التشكيك مع دعوات المباركة، والانتقاد مع التهكم، وحيث لا نعدم من يبحث عن مبررات تعيين الوزراء الجدد وتصنيفهم والتذكير بماضيهم أيضا.
يبقى الأهم، وهو أن الأردنيين في هذه المرحلة التي يشعرون فيها بالتعب والاكتئاب العام، يبحثون عن تغيير في السياسات لا مجرد تعديل بالأسماء، وعن حلول لمشكلاتهم (الاقتصادية أولا)، لا عن وعود وتصريحات، كما أنهم ملوا فكرة “التجريب”، ومنطق الاستهانة بذكائهم “ونضجهم” ووعيهم، يريدون من كل مسؤول- مهما كان موقعه- أن يتحمل مسؤوليته، ويقوم بواجبه في خدمتهم، وسوى ذلك تفاصيل ومجرد زوبعة في فنجان.