يتوالى يوميا إعلان أحزاب عن عقد مؤتمراتها التأسيسية ما يعني ان عجلة العمل الحزبي بدأت بالدوران، فقبل أيام اقام حزب الشعب الديمقراطي مؤتمره التأسيسي، وكذا حزب جبهة العمل الإسلامي، ولحقهم حزب الميثاق، ومن ثم الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وقبل ذاك أحزاب مساواة والقدوة والنهج الجديد والائتلاف الوطني، ويجري التحضير لإقامة المؤتمر التأسيسي لحزب إرادة، وحزب الوحدة الشعبية الأردني وكذلك الحزب الشيوعي الأردني، وفي الأخبار ان احزابا أخرى تتحضر للتأسيس.
من المعلوم ان مدة توفيق أوضاع الأحزاب تنتهي وفق أحكام قانون الأحزاب النافذ منتصف أيار المقبل، إذ ألزم القانون الأحزاب المُؤسسة قبل نفاذ أحكامه بتوفيق أوضاعها خلال سنة من نفاد القانون، وذلك بعقد مؤتمر عام تتوافر فيه شروط المؤتمر التأسيسي، وبخلاف ذلك يحل الحزب.
بعيدا عن الخطوط السياسية لهذا الحزب أو ذاك وبعيدا عن برنامجهم السياسي فإن الأمر المهم واللافت أن حركة تشكيل الأحزاب تسير على قدم وساق، ولا أريد أن أدخل في مفاضلة حول برنامج تلك الأحزاب السياسي، ولكن المؤمل أن تكون التجربة الحزبية الحالية بعيدة عن تجارب سابقة لم تؤتي أكلها وذابت وباتت بعيدة عن نبض الشارع.
نريد أن تفعل الأحزاب برامجها ولا تشعر بالحرج لو وقفت يوما في صف المعارضة لسياسيات الحكومات المختلفة، وتسعى لتنفيذ برامج سياسية واضحة ورؤية حزبية متقدمة، وان تعمل الأحزاب تلك لتشكيل واقع بعيدا عن الأفكار العشائرية أو المناطقية أو الجهوية أو الإقليمية، وتسعى لتحقيق الهدف الأسمى لمرحلة التحول الديمقراطي وهو الوصول لبناء أردن وطني ديمقراطي يتساوى فيه الجميع ولا تضيع الحقوق، وبناء دولة مدنية يسود فيها القانون وتعمل فيها المساواة، ولا يوجد للمناطقية أو الجهوية وجود فيه.
الحياة الحزبية رؤية متقدمة من خلالها نستطيع الوصول لحكومات برلمانية حزبية، وبرلمان أقوى، تتصارع تحت قبته أفكار وبرامج ورؤى، برامج سياسية واجتماعية واقتصادية، وثقافية، من خلالها تقدم الأحزاب رؤيتها وتعمل على تنفيذها من خلال وصولها للسلطة التنفيذية.
المهم أن يؤمن عقل الدولة بأهمية الذهاب نحو التجربة الحزبية، وان نؤمن جميعا بانه من الواجب منح الأحزاب المكنة اللازمة لدعمها في البداية، وان يتم تفعيل القوانين، ولا يكون لدى عقل الدولة أحزاب مفضلة، وأخرى مغضوب عليها، نريد أن نترك الأحزاب وحدها من تضع برامجها ومواقفها وان لا يتدخل فيها مواقفها أحد.
عمليا فإن ساعة العمل الحزبي دقت، والأحزاب تعقد مؤتمراتها التأسيسية ولدينا أحزاب برامجية قدمت رؤيتها وعلى الدولة بكل مؤسساتها وخاصة الإعلامية أن تجعل الناس والمواطنين يؤمنون أن الذهاب للأحزاب ليس تجربة أنية وانتهى، أو جمعة مشمشية، وانما تجربة باقية ومستمرة وراسخة، وقتها نستطيع أن نأمل أن نصل لمرحلة تشكل فيها أحزاب حكومات، وأن نصل لرؤية أفكار تتصارع تحت قبة البرلمان، وبرامج تتنافس في الانتخابات المقبلة أملا في نيل ثقة الناس.
علينا ان نقنع الناخب أن الأحزاب ليس حراما أو عبئا امنيا ثقيلا يجب انكاره، وانما باتت الأحزاب هدف للدولة بكل مكوناتها ومشاربها، وأن العمل الحزبي طريق للبرلمان وللمجالس البلدية ومجالس المحافظات، وان نجعل الشباب والطلاب والمرأة يقدمون على الدخول في معترك الحياة الحزبية دون خوف من ملاحقة أمنية أو استدعاء في منتصف الليل، أو ارتباك من عدم التشغيل لاحقا.
نعم على الدولة ان لا تضع الأحزاب في مسارات بعضها مرضي عنه وبعضها مغضوب عليه، فلطالما حصلت الأحزاب على ترخيص، وتعمل تحت سقف القانون والدستور كلها أمام الدولة سواء لا تفضيل لبعضها على بعض، هكذا يجب ان يكون الأمر، ودون ذلك سنجد انفسنا نعيد تجربة سبقت ونجتر أفكار قديمة لا تفيد في بناء الدولة الحديثة.