ننتظر أياما صعبة وقرارات أصعب، هذه ليست مجرد انطباعات أو إشاعات، وإنما بيانات حكومية انطلقت في الأسابيع الفائتة لمكاشفة الناس بالحقيقة، وإعدادهم للقادم، وتجهيز «لواقطهم» لاستقبال ما يمكن أن تفضي اليه المقررات من مفاجآت.
لا خلاف على التشخيص، فثمة مؤشرات اقتصادية مزعجة، وأخرى سياسية تحتاج الى مزيد من الانتباه، وثمة حالة عامة تمتزج فيها الشكوك بالمخاوف، والتنبؤات بالاستفهامات، ويصعب معها الاجابة على كثير من الاسئلة التي ما تزال معلقة برسم الانتظار، دوليا واقليميا، لكن هذا الاتفاق على المعاينة، بما يفترض ان يرافقه من حذر وفهم، لا يمنع من الاختلاف على صيغة الوصفات والمقترحات، او - ان شئت - على الخيارات والحلول لمواجهة المرحلة الصعبة او الخروج منها باكثر ما يمكن من التكافل وأقل ما يمكن من الخسائر.
لا اريد ان اتطرق هنا للاضطرارات الحكومية التي تسوغ تعويض العجز المالي في الموازنة بعد ازمة كورونا من خلال فرض المزيد من الاقتطاعات والدعوة الى شدّ الحزمة، او غير ذلك من الاجتهادات والخيارات التي يمكن ان تدرج للخروج من الازمة المالية دون ايقاع اصابات كبيرة على البنية الاجتماعية، ولا اريد ان «أفتش» - ايضا - في «عش» الانسدادات السياسية وما يطرح على هامشها من حلول مستعجلة وقراءات غير دقيقة، ما يهمني - هنا - هو الاشارة الى منطق التعامل مع الازمة - اي ازمة - والى قيمة التناول الجيد لقضايانا، خاصة اذا كانت تشكل اولويات في حياتنا، او تمس - بشكل او باخر - استقرار بلدنا، ومستقبله ايضا.
في اطار «منطق» التعامل نحتاج لاقناع الناس بما ينتظرهم من قرارات الى مسألتين: احداهما»المكاشفة» بمعنى وضع الحقائق كاملة امامهم، وبسطها بما يكفي بعيدا عن التهوين او التهويل، والمسألة الاخرى استحضار مبدأ المحاسبة والمساءلة لتطمين الناس على انهم وحدهم لا يتحملون تبعات الاخطاء التي انتهت بنا الى هذه الحالة، انما لا بد ان يتحملها من ساهم فيها، وبالتالي فان بوسع الناس ان يتعاملوا مع المرحلة الصعبة، وما تفرضه عليهم من اعباء جديدة، بدرجة اكبر من التفهم على اعتبار ان شراكتهم في الحل، تتوازى معها، او تسبقها اجراءات حاسمة اخرى: تسأل وتحاسب وتكشف الاخطاء والمسؤولين عنها، خاصة اذا ما تعلق ذلك بملفات الفساد والتعدي على المال العام وسوء استخدام السلطة والصلاحيات وغيرها.
اما فيما يتعلق بقيمة «التناول» فأعتقد بأن اختزال «الأزمات» في مجالاتها الفنية البحتة، أو ادراج الحلول لها في اطار التحذير أو تغليب الأمني على السياسي، أو في تهميش الرأي الآخر واستبعاده، أو في التقليل من أهمية «ادارة» الأزمة بروح سياسية مرنة ومتفهمة، هذا الاختزال يضر أكثر مما ينفع، كما ان الرسائل التي تنطلق من دوائره المختلفة الى الناس لاقناعهم «بالاستعداد» للقادم الأصعب، قد لا تصل، واذا وصلت فأخشى أن لا تكون واضحة أو مقنعة بما يكفي.
نعم، نحتاج الى قرارات حازمة للخروج من أزماتنا، والى منهج جديد في التعامل مع التحديات التي تواجهنا؛ لكن أقصر الطرق الى ذلك هو طريق «المكاشفة» والثقة المتبادلة، والخيارات المقنعة، والمشاركة الحقيقية، والانتصار لقيم المحاسبة والمساءلة، وهذه كلها تبقى معلقة على اشارة مرور واحدة هي «الحرية» بمفهومها الواسع وبضماناتها المعروفة وايقاعاتها التي جربناها كثيرا.. الحرية التي لا تنفصل عن المسؤولية أبدا.