الخميس، 25-11-2021
04:43 م
صاحب سيرة «من الكسارة الى الوزارة « كتب مقالا في 3 حلقات بعنوان « من القبو الى القبة « معلقا على تعييني عضوا في مجلس الأعيان ثم متابعا بتحليل سيرة النظام السياسي وخصوصية بلدنا وقيادته الهاشمية في التعامل مع المعارضة وتعيين رموز منها في مناصب متقدمة حتى شاع الانطباع أن المعارضة هي اقصر الطرق للوصول الى المناصب .
الأستاذ محمد داوودية تساءل عن هذا الانطباع نافيا صحته ومؤكدا بالشواهد أن الموالاة كانت دائما الطريق الأعرض والأقصر للمناصب وتمريرها للأبناء وللأقارب والمحاسيب، لكن وصول معارضين سابقين الى المناصب كان يأتي في سياق الانفتاح على مختلف المكونات وتدوير المناصب ضمن أوسع مروحة من التكوينات الاجتماعية وهي كانت تحوي أحيانا رموزا من المعارضة يتم استقطابها لمواقع المسؤولية ضمن سياسة الاحتواء الناعم كبديل عن الديمقراطية.
الحق أن هذا النهج جعل النظام اقوى دائما في الداخل والخارج، يحظى بالرضى والقبول الداخلي أكثر من الأنظمة الثورية العسكرية الاستبدادية التي سادت في الخمسينات والعقود اللاحقة. ولعل هذه السياسة الثابتة والمستمرة عكست التناغم الفريد بين طبيعة الهاشميين كعائلة حاكمة وطبيعة الشعب الأردني الذي جمع بين العشائرية والتمدن، بين التمسك بالتقاليد التي توقر الكبار والوجهاء وتنفتح بلهفة على التعليم والحداثة الى جانب التسامح واعلاء شأن التصالح، ونبذ القسوة والعنف والظلم. وقد لا تختلف المجتمعات العربية المجاورة كثيرا لكن سوء الحظ قادها ليد طغم عسكرية ضربت البنية الاجتماعية وقياداتها المنتجة طبيعيا بقسوة ووحشية تركت في ما بعد أثرا مدمرا. فعندما تخلخلت أو انهارت تلك السلطة العسكرية تركت فراغا ملأته الميليشيات المسلحة يقودها الزعران والمجرمون تحت عناوين سياسية وطائفية شتى. هذا فيما صمدت بنية النظام السياسي - الاجتماعي عندنا أمام التقلبات والأعاصير التي عصفت بالمنطقة. واستمر النهج المرن الاحتوائي حتى في أحلك الأوقات حيث امتزجت القوة والصلابة بالرفق والتسامح وأعقب كل صدام مصالحة واحتواء، لا سحل ولا انتقام ولا هتك للأعراض ولا سفك للدماء ولا اغتيالات واختفاءات من على وجه البسيطة.
مبكرا أيام الأحكام العرفية ونحن في المعارضة السياسية والحزبية المحظورة وحتى في السجن كنت أساجل زملائي ورفاقي بقناعة متبصرة أن النظام السياسي في بلدنا راسخ ومستقر وناجح ويحوز على الشرعية والقبول في المجتمع وان خطابنا في المعارضة يجب ان يتخلص نهائيا من لغة التخوين والعداء للنظام، ويذهب حصرا الى مطالب الديمقراطية والعودة الى الحياة البرلمانية الدستورية. وبعد التحول الديمقراطي عام 89 كان كل عملي السياسي يتركز على تحديث خطاب المعارضة ليصبح برامجيا وبنيتها لتصبح ديمقراطية. ثم تركز اهتمامي على التنمية السياسية بعد ان ظهر في سنوات قليلة الفشل في انتاج احزاب برلمانية رئيسية وإبقاء ادارة الحكم على الأساليب القديمة، ثم بدأت اقتنع ان التنمية السياسية لن تتحقق الا في غمار اصلاح سياسي يوفر شروط الحكم الرشيد ويجبر المجتمع على التحول عن الأساليب القديمة والتدرب على العمل في احزاب رئيسية تحقق شرط التناوب المنشود السياسي والحزبي والنيابي للحكومات. اليوم بعد عقدين ونصف وصلنا الى أول هذا المنعطف مع مشروع التحديث السياسي الذي جاء بتوجيهات ملكية واضحة وقاطعة تكفلت بصياغته لجنة تشرفت بأن أكون عضوا فيها.
حدث بعد ذلك أن تشرفت بالإرادة الملكية السامية بتعييني عضوا في مجلس الأعيان بما يوحي بالربط بين الأمرين مع ان ذلك حصل للصدفة البسيطة بحدوث شاغر طارىء في المجلس والتوصيف المطلوب له وفق النقاليد المرعية ينطبق علي وربما فوق ذلك تم مراعاة المعنى التقدمي في هذه المرحلة لهذا الخيار.