لا نعرف من اين يولد كل هذا القلق والذعر، مع كل نشرة جوية، تتحدث عن احتمال سقوط الثلج، اذ تدب حالة الطوارئ في البيوت، على الرغم من ان هذا البلد يعد ثلجيا كل شتاء.
من اين جاءت صناعة التهويل والأزمات والقلق والمبالغة التي نراها، فمع كل شتاء، تقف البلد على قدم واحدة، عند كل حديث عن منخفض قطبي، هذا على الرغم من اننا منذ ان خلقنا ونحن نستقبل المنخفضات القطبية، والثلوج ليست جديدة، بل ان غيابها هو الغريب، وينهمك الإعلام بوعي او دون وعي، ومعه ثلة من المسؤولين في لعبة التخويف، وصناعة القلق، وتنهمر الاخبار عن عدد أسطوانات الغاز التي استنفدها الأردنيون خلال المنخفض الجوي، وملايين الارغفة التي تم تخزينها، ونداءات الرعب الموجهة للناس تحت مسمى اتخاذ الإجراءات الاحترازية حتى قبل ان يأتي المنخفض الى هذه البلاد.
هذه الصناعة، أي صناعة التهويل، تفشت وانتشرت الى كل شيء، اذ في رمضان، ينقلب الاعلام الرسمي، واهتمام الناس بالتالي، الى عدد طيور الدجاج المذبوحة، وعدد حبات القطائف المباعة، وعدد أطنان السكر المستهلكة، وعدد الخراف المذبوحة، وعدد أطنان التمور الموزعة، وتطمينات حول توفر المواد الغذائية.
لكن لا احد يتحدث بالطبع اذا كانت السيولة النقدية في جيوب المواطنين متوفرة أصلا، حتى يدخلوا هذا التعداد الرقمي التافه، في دولة تدخل المئوية الثانية. لقد اتلفت صناعة التهويل، ذائقة الحياة، والمؤلم ان الغالبية كلما سمعت عن منخفض ثلجي، تبدأ بالتأفف، وصاحب الدكانة لا يريد اغلاق دكانته يوما او يومين، وصاحب سيارة السرفيس متوتر من توقف عمله، ليوم او يومين، ورب العائلة، لا يريد ان يستهلك وقودا إضافيا، للتدفئة، فتجتمع الانفس على كراهية وصول الثلج، ولأنه نعمة، يرفضها غالبية الناس، وينزعون ايمانهم من صدورهم، يفر المنخفض بعيدا، فنحن نريد ماء في الصيف، لكننا لا نريد ثلجا في الشتاء، ولا غيثا منهمرا، فتتبدد الرحمة بعيدا عنا. كانت الحياة أيسر، واسهل، كنا ننام في طفولتنا ونصحو والثلج بلغ مترا في بعض المناطق، من صويلح القطبية، الى عجلون، وغيرهما، فتتمدد المسرة، والرزق على الله، والناس بسطاء، ويعوضهم الله، اضعاف دخلهم في أيام عطلة الثلج، لكننا اليوم، نعبس في وجه الخير، ونظن اننا نتدبر امورنا، وليس الله هو المدبر، فتتعكر نياتنا، ولا نريد ثلجا ولا منخفضا، فلا يأتي الثلج، ولا تدوم الارزاق على قلتها هذه الأيام، وهذا امر طبيعي، فالحمد لله، غائب عن القلوب، قبل الالسن، والكل مذعور، ولا يُعرف سبب ذعرهم، سوى القلق، الذي استبد بالنفوس، بعد غياب السكينة والهدوء، لقلة الايمان.
تتعدد جهات الرصد، ويقفز الهواة والمحترفون فوق اكتافنا، والاخبار التي تصنع الذعر، من هبة المسؤولين المسرحية لتفقد مناهل المياه، وصولا الى غرف الطوارئ، وجولات المسؤولين الاستعراضية، وتناقض النشرات الجوية، والكلام الساذج عن توفر المواد التموينية، لا تراه الا هنا في هذه البلاد، ولو عاش بعضكم في دول غربية، لعرف ان هذه القصة عادية، بل انها كانت عادية جدا في هذه البلاد، في زمن البركة، وحمد الله، على المنخفض القطبي، تلو المنخفض، لا العبوس، والتوتر، والغضب، لان دكانة هذا او ذاك ستغلق يوما واحدا، فيما يداوي الله علل البشر والشجر والأرض، بهذا الثلج، ويرزق الناس ماء صيفهم.
لقد آن الأوان لنتخلى عن صناعة التهويل، على ألسنة المسؤولين، وألسنة الاعلام أيضا، فهذه مواسم طبيعية، في بلاد تعرف الثلج منذ الف عام، واكثر، ولربما الثلج هو الطبيعي، فيما صفاء السماء، وارتفاع حرارة الطقس، منذ اكثر من عشرة أيام هو الذي يجب ان يثير الذعر، والقلق، وليس احتمال ان يكرمنا الله بالثلج بعد طول غياب.
كفانا توتيرا للاعصاب، فهذا امر عادي جدا، وهذا هو موسم الشتاء، وهذه هي طبيعة البلاد، فيما النيات يجب ان تعود الى صفاء حالها، لان الله، اعلم بما يناسبنا، انه سبحانه وحده اعلم.