كان يمكن للناس تفهم، بل والقبول على مضض، القرارات القاسية للحكومة التي طالت مداخيل العاملين بالقطاعين العام والخاص ضمن خطتها لمواجهة تحديات وباء كورونا وتداعياته الاقتصادية، لو جاءت قراراتها الأخرى الخاصة بالحماية الاجتماعية على ذات القدر من الحزم والمسؤولية، بحيث يتم توزيع العبء قدر الإمكان، وبما يخفف من الأعباء المعيشية التي إنْ لم تزد عما كانت عليه سابقا فإنها لم تنخفض فيما انخفضت الدخول وتآكلت بصورة دراماتيكية حدّ الانقطاع لدى شرائح واسعة من عمال وموظفي القطاع الخاص والقطاع غير المنظم.
نعرف أن الخيارات محدودة أمام الحكومة للتعامل مع انخفاض الإيرادات العامة في ظل تداعيات الوباء عالميا ومحليا فلجأت لبعض الحلول السهلة رغم كلفتها الشعبية من قبيل وقف الزيادة الأخيرة لموظفي القطاع العام بشقيه المدني والعسكري وخفض بنود أخرى من علاوات ومكافآت ومخصصات عمل إضافي، هذا فضلا عن تمكينها القطاع الخاص بقرارات الدفاع من خفض أعباء المرحلة وتداعياتها الاقتصادية عليه بالسماح له بخفض الرواتب والدخول بل وحتى الوقف المؤقت عن العمل، ما فاقم من الأعباء المعيشية والاجتماعية لأغلب الشرائح المجتمعية.
لكن الحكومة التي اندفعت بحماس لمعالجة بند الإيرادات بالقرارات الطارئة رغم كلفها الاقتصادية والاجتماعية على الناس لم توازن ذلك بما يكفي من إجراءات وقرارات تعزز عبرها جانب الحماية الاجتماعية لتمكين الجميع قدر الإمكان من عبور المرحلة الصعبة، رغم أنها تمتلك بين يديها صلاحيات قانونية واسعة عبر قانون الدفاع ومشروعية سياسية وإدارية وأمنية لمواجهة الظرف الطارئ وحماية الأمن والاستقرار المجتمعي.
فهي لم تفعّل قانون الدفاع مثلا بقرارات لخفض إيجارات البيوت والمحال التجارية بنسب معقولة تساعد شرائح واسعة من المواطنين على تحمل جزء من انخفاض المداخيل والرواتب، وهو أمر ينطبق أيضا على أقساط المدارس الخاصة والجامعات رغم توقفها عن التدريس المباشر بالفترة الماضية بل تركت الخيار لأصحاب هذه المؤسسات التي لم يبادر أغلبها لذلك.
حتى تأجيل أقساط القروض البنكية الشخصية والسكنية والتي تشمل مئات الآف المواطنين والأسر فإن الملاحظات والشكاوى من الناس تكاد لا تحصى من عدم التزام بعض البنوك بالتأجيل لأعداد من عملائها أو ترحيل الفوائد ومراكمتها على القرض بمجمله ما يضاعف من أعباء هذه القروض مستقبلا على أصحابها. دع عنك أيضا عدم لجوء الحكومة لخفض تعرفة الكهرباء والمياه أو حتى ترحيل استحقاقها لمرحلة قادمة وبشروط ميسرة.
وفي باب التقصير في مجال الحماية الاجتماعية كان مستفزا وقاسيا وقف دعم الخبز الذي تستفيد منه عشرات آلاف الأسر الفقيرة ومحدودة الدخل والتي تفاقمت أعباؤها في فترة الجائحة وتعطل الأعمال وانخفاض الدخول. واللافت هنا؛ أن الحكومة التي أخذت بأغلب توصيات المجلس الاقتصادي الاجتماعي للتعامل مع الأزمة الحالية بما فيها وقف الزيادة السنوية الأخيرة والاقتطاعات خالفت هذا المجلس في توصيته بضرورة تعزيز مخصصات دعم الخبز باعتباره آلية مناسبة لوصول الدعم والمعونة للأسر الأكثر هشاشة وحاجة بمن فيهم عمال المياومة ومن توقفت أعمالهم بالقطاع غير المنظم.
وعلى سيرة توصيات المجلس الاقتصادي الاجتماعي، فهو رغم توصيته بشمول وقف الزيادة السنوية الأخيرة العاملين بالقطاع الصحي والعسكري فهو قد استثناهم من التوصية بالاقتطاعات الأخرى من الرواتب والمكافآت نظرا لدورهم الذي تضاعف خلال فترة الوباء وما يتحملونه من مخاطرة وأعباء طارئة، لتأتي الحكومة وتشمل الجميع بالاقتطاعات وخفض الدخول دون مراعاة للأعباء التي تضاعفت على هاتين الشريحتين دونا عن غيرهما في هذه الأزمة الطارئة.
ما تزال أمام الحكومة فرصة لتدارك هذا الخلل الكبير الذي يتمثل بعدم الموازنة بين ما يتطلبه إنقاذ الموازنة والإيرادات العامة للدولة وبين توفير جزء بسيط من الحماية الاجتماعية لمن يتحملون الإجراءات الطارئة لإنقاذ الموازنة وهم الغالبية الساحقة من المجتمع.