منذ صحونا و الحروب تحاصرنا ..حرب عربية هنا وحرب غبيّة هناك ..لا تكاد تخلو نشرة أخبار من سيرة الدم و القتل ..تبحث عن نشرة (نظيفة) فلا تجد ..مناهجنا تعلّمنا الحرب و تذكر لنا صغاراً كيف (نقتل) و كيف نجهل فوق جهل الجاهلينا ..!
أمّا السيف ؛ فله في لغتنا مئات الأسماء لأننا أمّة تموت بالحرب و الهيجاء و الوغى و الحرب و المعركة و الطوشة و الغزوة و ..و ..! السيف الذي كان بيد عنترة بن شداد (يداوي رأس من يشكو الصداعا) كتعبير مجازي نذهل و ندهش للبلاغة متناسين المعنى (المتخلّف و غير الحضاري) و الداعي للقتل لأن العربي إمّا أن يُقتل أو يَقتل..فإن كان اليوم قاتلاً فهو غداً قتيلاً لا محالة ..العربي لا يخلو يومه من الغناء للدم ..من تمجيد تقطيع الأوصال ..نتحركش ببعض من أجل استعراض قوتنا على ضعافنا..منهجيتنا تقوم على نظرية السمك الكبير الذي يأكل الصغير ..وعمليّاً نحن (طغاة) ؛ حتى الدرويش و المسكين فينا ؛ يسكن بداخله ديكتاتور تربّى على رفع الخشم كلّما استطاع ..على ترديد كلمة (أنا أنا أنا ) كلّما قال جملتين ..!
نصحو في النهاية و نكتشف أن الحرب لم تكن هناك ..و لم تكن حولنا ..بل الحرب بداخلنا ..حرب كي يكون ابنك في المدرسة أحسن من ابن الجيران أو من ابن أخيك ..حرب من أجل أن تشتري سيارة أحسن من سيارة صديقك (اللي ما يسوى شي) ..حرب من أجل أن تعمل عزيمة طويلة عريضة أحسن من عزيمة ابن فلان ( المشم) ..حرب من أجل أن تصبح عطوفة و سعادة و معالياً لأن فلاناً (المصدّي ابن المصدي ) مش أحسن منك ..!
حرب في كل شيء ..حتى في لقمة زادنا حرب ..في أنفاسنا حرب ..في نومنا حرب ..في أحلامنا حرب ..نحن الحروب كلّها يا سادة ولكننا نخوضها بلا أسلحة و نخسرها جميعها ..و لا يربح فينا إلا الأعداء الحقيقيون لنا ..نحن نتحارب و هم يظفرون بالغنائم ..!
يا سادة .. ونحن ندخل عاما جديدا شنّوا حروبكم على انفسكم فإن فيها أسباب مصائبكم ..