مئة قتيل واربعة آلاف جريح هي الحصيلة الأولية للكارثة التي اصابت بيروت وحسب الشهادات لم يحصل مثلها لا في الحرب الأهلية ولا في الحصار الاسرائيلي ولا في تفجير اغتيال الحريري. وحسب الخبراء فهذا ثاني أقوى انفجار بعد القنبلة النووية. ومثل قنبلة نووية ولّد الانفجار عصفا بمحيط كيلومترات في المدينه دمر النوافذ والابواب والأسطح غير الاسمنتية وتطايرت من حوله الاجسام المتحركة بما في ذلك السيارات أي كل شيء باستثناء الحجر والاسمنت الى جانب الدمار لمشآت الميناء ومحيطه ولو لم يكن البحر على الجانب الآخر ليمتص نصف الصدمة لكان الدمار مضاعفا.
أي قنبلة أو صواريخ مهما كان حجمها قد تحدث دمارا موقعيا مباشرا لكن لا تحدث عصفا يمتد الى كيلومترات عبر الأحياء والشوارع والساحات وهذا ما تكفلت به أطنان من مادة نترات الأمونيوم المخزنة في احد عنابر مرفأ بيروت وفق الرواية الأكثر مصداقية وهي مادة شديدة الانفجار تدخل في صناعة المتفجرات ويسود استخدامها أيضا في المحاجر لتفجير الصخور.
اتجه التفكير بسرعة الى احتمال وجود اسلحة ومتفجرات لحزب الله قصفتها طائرة اسرائيلية خصوصا وأن المرفأ يسيطر عليه الحزب كما هو معروف. لكن رواية محافظ بيروت الذي جاء يبحث عن رجاله تحت الانقاض تحدثت عن حريق سبق الانفجار أرسل رجال الاطفاء لإخماده فداهمهم الانفجار. وحسب الرواية الرسمية يوجد 2750 طنا من نترات الأمونيوم كسماد زراعي تم حجزها أو مصادرتها من سفينة كانت متجهة الى موزمبيق وبقيت منسية هناك منذ عام 2014. وهذه الرواية الأخيرة تبعد كل شبهة سياسية وتبقي المسؤولية الادارية عن هذه الحماقة بإبقاء هذه الكمية المهولة من مادة متفجرة في هذا المكان. وبالمقابل قد لا تكون مجرد حماقة ادارية وإن الكمية الهائلة تم الاحتفاظ بها هناك كاحتياطي استراتيجي لحزب الله ووضعها الرسمي كمواد محتجزة يتيح للحزب تمويها لاستخدام المرفأ لتخزينها دون دفع رسوم ارضيات وتخزين. والاحتمالات المختلفة تقلب المسؤوليات والاستخلاصات والعواقب المحتملة رأسا على عقب ولا بدّ من لجنة تحقيق مستقلة ذات مصداقية وربما بمشاركة خبراء دوليين لتقديم الرواية الصحيحة فحجم الكارثة لا يحتمل التمويه مطلقا.
كان اللبنانيون على حق وقد نفذ صبرهم نهائيا مع واقع الدولة اللبنانية الفاسد والمتنازع عليه طائفيا ويقيم حزب الله داخله كدولة داخل الدولة،. لكن ثورة اللبنانيين العارمة المليئة بالعزم والتصميم انتهت الى تشكيل حكومة مستقلين يسيطر عليها مجددا « العهد « ودعامته الأساسية حزب الله في ظلّ غياب قوة منظمة بديلة تمثل اللبنانيين الوطنيين المخلصين الذين يقدمون انتماءهم لوطنهم على الولاءات الطائفية الضيقة ؟
شعب لبنان من أكثر الشعوب العربية تحضرا وفي فترات السلم حقق الاعاجيب وانتزع للوطن اللبناني لقب سويسرا الشرق لكن ما العمل وهو البلد الصغير وسط محيط عات من المراكز الاقليمية والدكتاتوريات المتنافسة تستخدم ديمقراطيته وانفتاحه وتعدده الطائفي لأجنداتها ومشاريعها التوسعية وحروبها الايدلوجية والسياسية. ومن مطلع السبعينات تقاسمت وتوارثت قوى عسكرية دخيلة السلطة على الأرض تحت ورغم انف السلطة الشرعية وعلى حسابها من المقاومة الفلسطينية الى قوات الردع السورية الى قوات الاحتلال الاسرائيلي ثم قوات حزب الله الايرانية تمويلا وتسليحا وتبعية.
الغضب اليوم سيبلغ ذرى جديدة لا ندري عما ستمخض واي نتيجة سيحققها لكن في المدى المباشر يتوجب نجدة لبنان واللبنانيين لمعالجة الآثار المباشرة والخسائر الرهيبة لهذه النكبة الجديدة.