بعد أسابيع من الكلام عن زيارة محتملة لوفد رفيع المستوى برئاسة طاهر المصري إلى دمشق، تم تعليق فكرة الزيارة مؤقتا، ثم تم التراجع كليا عن زيارة الوفد.
هذه آخر المعلومات، وهذا يعني ان لا وفد أردنيا سيذهب إلى دمشق، وقد تذهب وفود عادية كما جرت العادة تضم نوابا او نقابيين او أسماء معروفة، لكن الممانعة الرسمية حالت دون ان يتم هذا الوفد زيارته إلى دمشق، وعلى رأسه رئيس حكومة سابق، وفيه أسماء وازنة، تمثل شخصيات وزارية او اعتبارية من درجات مختلفة.
العلاقة الأردنية السورية، تعاني من برود شديد، والواضح ان لا نية في عمان او دمشق لتحسين هذه العلاقة، فكل طرف لديه مآخذ على الطرف الاخر، إضافة الى ان ملف العلاقات الأردنية السورية، بات ملفا إقليميا دوليا، وليس ملفا ثنائيا، وهذا يعني ان الانفتاح بين البلدين سوف يخضع الى اعتبارات مختلفة على صلة بالأميركيين والروس، والموقف من إيران، ومواقف دول عربية، ولا يخضع فقط لحسابات اردنية سورية بحتة، وهذه احدى سلبيات ملف العلاقة الذي خرج من يد البلدين، الى زاوية الحسابات الإقليمية والدولية، فلم تعد القصة قصة علاقة ثنائية.
برغم ذلك هناك تنسيق امني بين البلدين، سواء على مستوى المعابر، او على مستوى الحدود، وما يرتبط أحيانا بملف الجماعات المتشددة، وفي حالات كثيرة يتم الوصول الى تفاهمات امنية عبر وسطاء روس، او عبر طرف ثالث، إضافة الى الاتصالات الثنائية، بين البلدين على هذا المستوى الفني، امام اضطرار الطرفين للتنسيق معا، وعدم قدرتهما على إدارة الظهر على هذا المستوى، وحاجتهما الى الحد الأدنى من التنسيق لاعتبارات اضطرارية وميدانية.
امام هذه التعقيدات المتواصلة، يرى فريق في عمان ان الأردن قد يخسر فرصة استعادة علاقته مع السوريين، من حيث التوقيت، خصوصا، اذا قامت دول عربية كبرى باستعادة هذه العلاقات قبل الأردن، وبحيث يبدو الأردن متأخرا، او تابعا لقرار هذه العواصم، الا ان هناك من يرد على هذا الفريق، ان القضية أعقد بكثير من هذا التصور، حيث تخضع المنطقة العربية برمتها الى معايير متقلبة، من جهة، والى اعتبارات على صلة بترسيم المعسكرات الإقليمية والدولية.
أسوأ ما يعانيه الأردن اليوم يتعلق بخنقه إقليميا على مستوى جيرانه، فالجار العراقي لديه أزماته والجار السوري يواجه فوضى عارمة، والجانب الفلسطيني يدخل مرحلة خطيرة جدا، بعد صفقة القرن، التي جاءت لتصفية القضية الفلسطينية بعد سبعة عقود من احتلال فلسطين، والجار المصري على أهميته مشغول بأولوياته الداخلية، وهكذا يجد الأردن نفسه امام محيط منشغل بقضاياه، قبل العلاقات الثنائية، فوق ما في بعض الدول من حرائق وازمات، يسعى الأردن لتجنب تصديرها إليه بكل الوسائل المتاحة، دون ان ننكر هنا انه تأثر كثيرا ودفع كلفة جزئية.
بعض الاتجاهات السياسية في عمان تروج لحل قائم على انفتاح الأردن على ايران، والاقتراب من المحور السوري، ويعتبر هؤلاء ان المعسكر الأميركي الذي ينتمي اليه الأردن يترك الأردنيين على الحافة، وانه لا بد من تغيير التحالفات، بكل جرأة.
واقع الحال يقول ان عمان الرسمية يستحيل ان تتبنى هذا الاتجاه، لعدم قدرتها على دفع كلفته من جهة، وللمحاذير التي يعرفها الأردن، والفواتير التي قد يدفعها اذا غير تحالفاته، وهذا يعني من حيث النتيجة ان الأردن يسير اليوم على حبل مشدود، فهو ليس جزءا من التحالف الإيراني، وتوابعه في المنطقة، مثلما هو معاند للمحور التركي وتوابعه العربية والسياسية، فلا يبقى له الا المحور الأميركي الذي يضع سقفا لكل ما يرتبط بحركة الأردن ويريده ان يبقى هشا وضمن دوره الوظيفي، فيما خيار الانعزال والحياد يبدو ترفا، او لربما انتحاريا وغير منتج.
هذه تعقيدات لن يتم فكها بهذه البساطة، الا اذا حدثت تحولات في كل الإقليم، وحتى ذلك الحين سيبقى شعار الأردن تجنب الازمات، والنجاة وسط الإقليم، فيما قراءة خريطة العام 2020 تقول إن كل المنطقة لن تبقى كما هي وان على عمان الرسمية ان تضع سيناريوهات بديلة وطارئة لكل الاحتمالات، كون حالة التعليق في المنطقة لن تبقى طويلا، وستنزع المنطقة نحو إعادة رسم الخرائط .