جلسة تشريعية كانت مقررة لمجلس النواب أمس بحضور الحكومة، تتحول فجأة إلى رقابية. أمر قد يكون طبيعيا في ظل الأحداث التي شهدتها المملكة مؤخرا، حيث من المفترض أن يقوم مجلس النواب، الذي لم يعقد جلسة له منذ أسابيع، بدوره الوطني في هذا الإطار، وهذا أقل جهد قد يبذله!
لكن ما سبق عقد الجلسة من اتفاق حكومي نيابي على جعلها جلسة مغلقة أمام الإعلام يضع علامات استفهام على فهم السلطتين؛ التنفيذية والتشريعية، لحقيقة وخطورة ما جرى ويجري اليوم، فليس من المعقول ولا من المقبول أن لا يشهد الناس بكل شفافية تفاصيل جلسة مهمة في توقيتها، ويعتقدون أن مضمونها مهم أيضا، كتلك التي عقدت أمس.
لا أعتقد أن جلسة أمس السرية عكست آمال الناس الذين لم يطلعوا على تفاصيل النقاش بين الحكومة والنواب. الناس تم تغييبهم وإقصاؤهم عن متابعة الجلسة ومعرفة وجهة نظر الطرفين، كما غابوا عن أداء نوابهم وكيفية دفاعهم عن حقوقهم المعيشية. في المقابل، لم تتمكن الحكومة من إيصال صوتها للأردنيين من تحت قبة البرلمان، وشرح التحديات التي تواجهها وتجعلها تتمسك بسياساتها الاقتصادية. هذا لا يحدث في دولة تدخل مئويتها الثانية، لذلك يحق لنا أن نتساءل بغير براءة: ممَّ خافت الحكومة، ولماذا اختبأ النواب خلف جلسة سرية؟
الحكومة وضعت النواب في صورة ما جرى مؤخرا من أحداث، فيما شرع النواب بمناقشة الحكومة بهذه المستجدات. لكن، هل حقا لم يتناقش الطرفان في هذا حتى اليوم ولو عبر لقاءات جانبية أو اتصالات هاتفية؟ هل جلسة أمس كانت أول تواصل بين السلطتين؟!
كمواطن، ما المفيد في أن يخرج النواب عقب انتهاء الجلسة بالتأكيد على أن الحكومة أطلعتهم على الخطط والتطورات، ووضعتهم في تفاصيل ما جرى، وأن اللقاء كان جيدا! كمواطن، أريد أن أعرف كل التفاصيل، وأن أفهم إلى أين تتجه الأمور في بلدي. لي حق صريح وواضح أن استمع لمبررات رئيس الوزراء وطاقمه، وأن أطمئن على أن نواب الشعب كانوا يملكون الأدوات الكاملة في نقاشاتهم.
فائدة واحدة، فقط، يمكن تسجيلها لمصلحة الجلسة السرية التي عقدت بهذا الشكل، رغم تعارضها مع مبدأ الشفافية والمكاشفة وتناقضها مع توجهات الحكومة المعلنة في الإفصاح عن المعلومات، وهي أنها لم تشهد، بكل تأكيد، مزايدات نيابية شعبوية هدفها استعطاف الناخبين، وإيهامهم بأنهم خير ممثلين لهم ممن يحاججون الحكومة دفاعا عن مصالح الناس. أنا واثق أن الحضور كان بالوجه الحقيقي، وبلا أقنعة مزيفة.
جلسة بكل هذه الضبابية، حتما، لن تخدم منظومة الثقة المتدنية للحكومة والنواب بين الناس، خصوصا أنه لم يتبعها مؤتمر صحفي، على أقل تقدير، يضم ممثلا عن الحكومة وآخر عن النواب لإعلان تفاصيل الملفات التي نوقشت، بدلا من ذلك، ترك المجال مفتوحا أن يخرج كل نائب ليصرح للإعلام عن الجلسة بشكل عشوائي وعبثي، زاد الأمور ضبابية، وشتت الرسالة التي كان من المفترض أن تكون واضحة ومتماسكة! ليعلن لاحقا عن بيان مشترك اختبأ الجميع خلف مفرداته وحروفه!
بعبارة واضحة، يمكن لنا القول إن قرار جعل الجلسة سرية، يدخل من باب الأخطاء المجانية التي تزيد من تأزيم الأمور، وتوسيع فجوة الثقة، فمن الواضح أن النواب كانوا يدارون فشلهم في الظهور والتأثير إيجابيا خلال الأحداث السابقة، وهم الذين تابعوا الأخبار كما فعلنا نحن، من دون أن يعقدوا ولو جلسة واحدة في هذا الظرف الاستثنائي، بينما نجحت الحكومة في تجنب مواجهة مباشرة مع الشعب وممثليه، وفرضت إرادتها في أن تكون جلسة بلا لون ولا طعم ولا تأثير. إنه يوم الحكومة بامتياز!