الأردن يتغير بسرعة شديدة، بما يفرض على كل الجهات التنبه لكلف هذه التغيرات، خصوصا، أن لها تأثيرا على الحياة، والخدمات، وعلينا هنا أن نتصور الأردن بعد عشر سنوات مثلا.
يبلغ عدد سكان الأردن 11 مليون شخص، ونسبة غير الأردنيين 31 % من عدد السكان، أي بنحو 3.5 مليون نسمة، وعدد الجنسيات المصنفة كلاجئة من دول العالم، يتجاوز الأربعين جنسية، فيما يبلغ عدد الجنسيات التي تعيش في الأردن بشكل عام أكثر من 56 جنسية، ما بين عامل ومقيم وطالب ولاجئ، وهذه ليست مجرد أرقام، بل تفرض نفسها على كل شيء.
75 % من سكان المملكة يعيشون في 3 محافظات هي العاصمة عمان وإربد والزرقاء، ويعيش في مناطق جنوب المملكة، نحو 8 %، فيما يتوزع 92 بالمائة من السكان في شمال غرب المملكة، أي مناطق الوسط والشمال، بما يثبت إهمال المحافظات، وتركز التنمية على مدن محددة.
لدينا تقارير دولية صادرة عن الأمم المتحدة، ومفوضية اللاجئين، إضافة إلى الجهات المحلية، مثل دائرة الإحصاءات، والمجلس الأعلى للسكان، وأغلبها لا يختلف في الاستخلاصات مع بعضها البعض، بل الكل يتحدث عن الملف الديموغرافي في الأردن، من زوايا مختلفة، ومثيرة للاهتمام.
ما يراد قوله هنا إن كثرة المقارنات الاقتصادية والاجتماعية بين الأردن في هذه الأيام، ومرحلة الثمانينيات، مثلا، مقارنة غير علمية، لأن عدد سكان الأردن في عام 1980 لم يكن يتجاوز المليونين ونصف المليون، وزاد عدد السكان تدريجيا، فوق الموجات البشرية التي جاءت إلى الأردن إثر اجتياح الكويت عام 1990، ثم حرب العراق عام 2003، ثم بقية تأثيرات الحروب في دول الجوار، والربيع العربي، وزيادة عدد الأردنيين الطبيعية، إضافة إلى زيادة عدد اللاجئين من جنسيات مختلفة، وليس أدل على ذلك من أن متوسط إنجاب الأشقاء السوريين في الأردن، هذه الأيام، أعلى من متوسط إنجاب الأردنيين، وهو متوسط يتراجع في المدن مقارنة بالأرياف مثلا.
معنى الكلام يتعلق بأمرين، أولهما أن المقارنة بين ظروف سابقة، وهذه الأيام، مقارنة جائرة وغير صحيحة، من حيث عدد السكان، والموارد، والنفقات، والبنى التحتية، وفرص العمل، وغير ذلك، وثانيهما أن الواقع الحالي مؤهل لمزيد من التأثيرات السلبية بسبب زيادة عدد السكان والضغط على كل القطاعات من المياه، إلى فرص العمل، مرورا بالبنى التحتية والصحة، والتعليم.
هذا لا يفرض علينا الاستسلام أو تبرير أي تراجعات في الحياة، بل يفرض الإقرار بأن كل شيء قد تغير، بما يؤدي بالضرورة إلى تغيرات في التخطيط، إزاء كل شيء، وإلا سنجد أنفسنا أمام أزمات مركبة ومعقدة جدا، خلال السنوات المقبلة، وهناك أمثلة يعرفها الكل إذ إن صفوف الدراسة المكتظة اليوم، سوف تختنق أكثر بعد سنوات، والسرير في المستشفى الحكومي الذي قد لا يحصل عليه أحد اليوم، قد يصير مستحيلا بعد سنوات، بما يعني أن التخطيط يجب أن يقف عند كل هذه الأرقام في كافة القطاعات، ويخطط بشكل إستراتيجي لما سنكون عليه في الأردن.
الحكومات في الأردن باتت غير قادرة على التخطيط الإستراتيجي، بسبب قضايا الموازنات والديون والعجز، بما يجعل الإدارة السنوية للإمكانات المالية، هي الغالبة، وهذا أمر يجب أن يتغير جذريا، لأننا سنكون أمام أردن مختلف اقتصاديا، واجتماعيا، بشكل أكبر، بعد عشر سنوات مثلا.
ليس تنفيرا من المستقبل، لكن الرياضيات السياسية هي أساس نهضة الدول، وحسبة الأرقام هنا، تقول إن كل شيء يتغير، بما يفرض استباق الأزمات، والتعامل مع التحديات منذ هذه الأيام.