أمسكت (كريستين) موبايلها وهي تجلس على المقعد الخشبي في إحدى حدائق المدن المنسية في بلدٍ عربيٍّ ..كتبت رسالة لـ (طارق) : على ذات مقعدنا قبل عشرين عاماً ..و ( الندّاهة) ستقودك بشكل صحيح إليه ..لا تتأخر ..!
يسابق السيارات بجنون العشرين عاماً ؛ ركب الريحَ ..وصل إلى ذات المقعد الخشبي..لا يمكن أن ينساه ؛ ولا لعينه أن تخطئه..رغم أن (كريستين) ليست هناك ..ولكنه جلس على المقعد وهو يتلفت بعينيه في كلّ تجاه ..لماذا لم تنتظر قليلاً ؟ لم أتأخر أنا ..الله عليك يا كريستين ..أنت أنت لم تتغيري ..تحبين الحركات القرعة ..ولكنني الآن لا احتمل ذلك أيتها الشقية ..لم أعد ذلك الفتى خفيف الظل الذي يصنع المقالب ..لم أعد احتمل شيئاً ..!
أخرج موبايله ..طلب الرقم الغريب الذي وصل المسج منه ..مغلق ..وقف و عرقه يصبّ مرارة الخيبة ..ذهب للشجرة القريبة من المقعد الخشبي ..مال بجسده على جذعها وهو واقف يتأمل المقعد ..سرح في عالم من الماضي ..بُكلتها التي سقطت ذات يومٍ هناك وهي تحاول ترتيب شعرها وكيف أمسك البكلة و نفض عنها التراب ولم يعرف كيف يضعها في شعرها وهما يضحكان كطفلين وجدا للتوّ براءة العالم ..!
ضحك وحده وظهره مسنودٌ بجذع الشجرة ولكنه رفع يده ومسح ما هطل من عينيه ..وسرح ثانية .. وتذكّر كيف سألته آخر مرّة : هل ستحضر عرسي ..؟ ألم تكن أمنيتك أن تراني بالثوب الأبيض..؟ تعال و حقق أمنيتك ..! قالت كلماتها وهي تغادر المقعد وهو يحاول أن يقنعها أن الحب نضال وصمود ..وهي تنظر إليه بعينين كسيرتين وخطاها للأمام وتقول له: ليس في بلاد العرب يا حبيبي ..!
في حومة الذكريات و سطوتها ..سقط بصره على مغلف أبيض تحت المقعد الخشبي ..ذهب إليه كالملسوع ..فتحه ..به صورتان ..صورة لها بثوبها الأبيض قبل عشرين عاماً ومكتوبُ خلف الصورة : لم تحضر عرسي ؛ وهذه الصورة لتحقيق أمنيتك ..والصورة الثانية لامرأة اربعينية ..ما زال الجمال ينضح منها مكتوب على ظهرها : تصورتها بالأمس ..زوجي مات قبل عام ..ليس عندي أولاد ..و أنت الآن ربّ اسرةٍ كبيرة ..رقمي عندك ..ابعث رسالة واحدة فقط وسأقرؤها ..إلا إذا أردتَ أن تضيّع الحبّ مرتين ؛ فلا تبعث حرفاً ..!