السبت 2024-12-14 00:07 ص

أخلاقيات مطلوبة من الوزراء ..

07:35 ص

ما زال بعضهم مسكونا بهواجس النجومية السلبية، مخدوعا بما يسمى «سلطة الخبر» (الزلمة عنده ملفات خطيرة)، ولا مكان للأخلاق ولا للمهنية ولا للقانون في «خبطاته الصحفية».. ماذا نقول غير ماقيل بأنها أصبحت مهنة الفاشلين ومهنة لا مهنة له، هكذا هي صحافة الغفلة والفضائحية والإثارة الهابطة.



أمس الأول؛ تناقلت بعض وسائل الإفلاس الاعلامي خبرا؛ قالوا فيه إن وزير التنمية الاجتماعية وجيه عزايزة يتقاضى راتب معلولية، ونشروا معلومات عن تقرير طبي، ووردني الخبر من أكثر من جهة وصديق، لكنني آثرت الحديث هاتفيا مع أحد الأصدقاء الخبراء حول هذا الخبر، فهو بيت خبرة في القوانين والمطبخ السياسي، وخرج من موقعه منذ سنوات وهو في قمة عطائه، ظلما وحرمانا لنا من خبراته وسمو أخلاقه ونقاء سيرته، ناقشته في موضوع المعلولية للموظفين الحكوميين وغيرهم، وأفاد بمعلومات كثيرة ومثيرة، وكان اهتمامه بالجانب القانوني وقرارات الحكومة الحالية وتوجهاتها حول ترشيد الانفاق، وكان الحديث مثمرا يحتاج إلى مقالة خاصة، فالرجل موسوعة في المعلومات وفي الحس الوطني النقي الذكي..شخص لا تمل الحديث معه فهو بناء وفيه معلومة ويتمتع بأخلاقيات حوار محترفة، وأتمنى لو كان كل الذين يناقشون الشأن العام يتمتعون بربع ما يتمتع به صديقي الذي لن أذكر اسمه هنا فهو لن يقبل وسيغضب.


الوزير وجيه عزايزة؛ سياسي من العيار الثقيل، معروف من قبل الكثيرين، لكنني لم أقابله بحياتي ولم أتحدث معه سوى مرة واحدة، وكنت قبل اللقاء وبعده أحترم أخلاقيات الرجل وشدة التزامه بعمله، فهو بدوره موسوعة سياسية ورجل خدمة عامة مدجج بأخلاقيات العمل العام النبيلة، وأجزم بأنه لن يقبل أن أذكر اسمه في هذه المقالة لو استشرته، لكن من حق الناس أن يعرفوا الصورة كاملة، وما حديثي هذا الا لأنني أحتاج لتوكيد عدم وجود علاقة بيني وبين الرجل، سوى الاحترام الذي هو جدير به مني ومن كل متوازن متابع للشأن العام وغيره.


بحثت عن قصة معلولية وراتب الوزير؛ فاكتشفت أن الخبر بشأنها «فالسو»، ولا قيمة له ولا جديد فيه، سوى إتاحة الفرصة لي بأن أكتب في الرجل إنصافا بل ان شئتم تبجيلا يستحقه، فهو إنسان يمرض مثل سائر الناس، وتعرض لحالة صحية حاول معالجتها، وفيها تقارير تفيد بأنه يعاني عجزا لا يمنعه من القيام بعمله السياسي وغيره، وقد كتب برغبته استدعاء لوزارة المالية، يطلب منها وقف راتب المعلولية الذي يصرف له شهريا، والاكتفاء براتبه كوزير، وأصدرت وزارة المالية قرارها بالموافقة على طلب الوزير المحترم، وأصبح نافذا منذ 1 شباط 2017.. قبل أكثر من 3 أشهر يعني، فالحديث عن معلوليته كشف حقائق لصالح الرجل، كان بإمكانه أن يمررها للاعلام منذ 3 أشهر، لأنها تعبر عن موقف كبير يبعث على احترام هذا المسؤول، الذي التزم بتوجيهات رئيس الحكومة بترشيد الانفاق والتخفيف من أعبائه من قبل الفريق الحكومي، فقدم الرجل راتبه المذكور عن طيب خاطر وبعيدا عن الاعلام وطلب الشعبية، وهذا خلق يليق بالكبار ويسمو كثيرا عن الصغار واهتماماتهم.. ويستحق عليه التحية والتقدير، والأمل بأن يفعل مثله كل من يتقاضى مثل هذا الراتب ويدير شأنا عاما يتقاضى عليه راتبا آخر، ليكتفي براتبه من وظيفته، ويوقف راتب المعلولية ما دام في الخدمة العامة وليس بحاجة، وهذا بالطبع مبلغ يفوق ما أقرته الحكومة بخصوص استيفاء 10% من الرواتب الحكومية التي تزيد عن 2000 دينار.


في موقف العزايزة رسالة أخلاقية وجيهة نفهمها، ونطالب بتعزيزها، فهو وبموجب القانون يمكنه الاحتفاظ براتب المعلولية، الذي يتقاضى مثله عشرات الآلاف من الأردنيين، وفي الخبر المنشور بغية الإثارة والتنكيد على الحكومة حول راتب العزايزة جانب مرفوض، وقد نصنفه بأنه غير أخلاقي ومقصود وهادف لاغتيال الشخصية والإساءة، او خبر غير مهني سببه نقص المعلومة وعدم المهنية، وفي الحالين هو خبر يتقصى خصوصيات وابتلاءات الناس، فتذهب كل القصص والقروش ويبقى للرجل المرض، الذي يستوجب من كل شخص «طبيعي» أن يدعو له ولغيره بالشفاء والصحة الدائمة، لا أن يتقصده بالإساءة والتطبيل والتزمير والردح ضد الحكومة والوزراء..


النزعة المنفلتة الساعية للإساءة والتشكيك متوفرة تماما في الخبر المذكور، وهو النموذج المرفوض من الاعلام «الربع كم»، الذي يناسب العقول الصغيرة الضحلة، علاوة على أنه فيه مساس ببديهيات اجتماعية نحترمها ونرفعها فوق كل قانون، فانتهاك الخصوصية بأخبار غير مكتملة المعلومة، تتقصى الاساءة للناس بالحديث عن صحتهم وأسرارهم الشخصية العادية، عمل يقع في باب انهيار القيم ..


أعرف أكثر من حالة مشابهة لدى أعضاء من الفريق الوزاري ولدى مسؤولين «كبار» آخرين، ولست أدري إن كانوا قد فعلوا كما فعل وجيه عزايزة وأوقفوا رواتبهم.. ولن نتحدث عنهم هنا ولا في غير المكان سوى دعاء بالشفاء، فوضعهم القانوني سليم، والراتب من حقهم، والكرم والشعور مع الناس والحكومة موضوع يخصهم وحدهم، لأنه ثانوي ولا علاقة له بقيامهم بواجبهم في الخدمة العامة، سواء أكانوا وزراء أو موظفين عاديين.
المنطق مطلوب، والحكمة ضالة المؤمن.. وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت، و(عندي ملفات مهنية حقيقية للبيع يا شباب) وهو إعلان لمن يملك الثمن ويضحي من أجل خير الوطن.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة