الوكيل - ‘هنا جنّة الشعب الحقيقية. الكبير والصغير كلاهما يصيح:
ها هنا أنا إنسان، وها هنا يحقّ لي أن أكونه’
غوته، ‘فاوست’
الأحد، 21 أبريل
الأحد ليلاً. وصلت إلى برلين في الخامسة والنصف مساء بالتوقيت المحلي. ساعتان إضافيتان على توقيت المغرب. كانت الطائرة شبه ممتلئة بمسافرين من جنسيات مختلفة. كثير من المغاربة وقليل من الألمان. الطائرة كانت متوجهة إلى كوبنهاغن، وتقف لنصف ساعة بمطار برلين ‘تيغل’ قبل أن تواصل رحلتها.
تستقبلك برلين بطقس ربيعي رائق على غير العادة. أتذكر زيارتي الأولى لها في دجنبر 2008، أياماً قليلة قبل احتفالات رأس السنة، كانت أشبه بعرس كبير تشعّ أنواره ليلاً من كلّ اتجاه. كان الثّلج يغطي الطرقات والبرد قارساً. قلت في نفسي: ستكون وحيداً هذه المرة. ستكون أكثر حرّية من السابق. وبإمكانك اكتشاف المدينة بصورة أفضل. مدينة ترفع لك التّحدي للمرة الثانية كي تقترب منها أكثر وتعرفها عن قرب، تكتشف ربيعها بعد أن لسَعك صقيع لياليها الباردة.
منذ وصولي لبرلين وأنا أفكر في جُملة لدوستويفسكي قرأتها في كتابه ) ذكرياتُ شتاء عن مشاعر صيف، 1863( : ‘ إنّ مدينة برلين، مثلاً، قد تركت في نفسي أثراً بالغ الحموضة ولم أمكث فيها إلا أربعاً وعشرين ساعة’. ويستطرد بعد ذلك في وصف هذه ‘الحموضة العذبة’ لمّا بلغ المدينة، بعد يومين في القطار، شاحب الوجه مخلّع الأعضاء محطّم الجسم ولاحظ أنها تشبه سان بطرسبرغ شبهاً عجيباً. ثمّ هرب منها بسرعة في اتجاه درسدن. مرّت الآن 150 سنة بالتمام والكمال على هذه الزيارة ‘التاريخية’، ترى هل كان دوستويفسكي على حق في ما ذهب إليه بخصوص المدينة خلال تلك الفترة؟ ربّما. لكن ما هو أكيد أن برلين الحالية لا ولن تترك في نفس زائرها اليوم أيّ أثر ‘حامض’. بل على العكس، ستترك أثراً ‘عذباً’ يدوم لوقت طويل.
خرجت وجلست في ساحة سوق الدرك Gendarmenmarkt. لا أعرف إن كانت الترجمة صحيحة. توجد هناك كاتدرائية فرنسية أقامتها طائفة دينية منبوذة ) الهوغونوتيون ( لجأت من فرنسا إلى برلين هروباً من الاضطهاد وتمت استضافتها والسماح لها ببناء ثلاث كنائس. مع ذلك هذا قليل من برلين في ليلة الأحد. قليل من برلين من المطار إلى الفندق. ومن الفندق إلى الساحة ثم العودة إلى الفندق. قليل من الشوارع وسكك الترامواي والبنايات القديمة. قليل من الجسور والأزقة والكلمات والوجوه. المدينة كأنها تتبخر، وربما تلفتك دراجة هوائية أكثر من كاتدرائية. تثيرك الأشجار المتوثبة على الأرصفة أكثر من التاكسيات. ولو أنها بنفس لون تاكسيات سلا، لكن شتّان بين ماركات السيارات هنا وهناك. تلفتك أيضاً نادلة في مطعم أكثر من حديث مطوّل عن الأزمة التي لم تصل أمواجها العاتية بعد إلى سواحل ألمانيا المنيعة.
أنا معلّق في الطّابق العاشر ولا أعرف حرفاً واحداً بالألمانية. حالي مثل العصفور الذي تعاطفتُ معه قبل قليل. أفهم الآن فقط كيف يتحسّس نبضه وهو يشاهد العالم الكبير من النافذة. ولأنه خفيف جداً ستقذفه الريح بسرعة إلى أعلى ويختفي. ليست لدي رغبة في النوم. العاشرة بتوقيت غرينيش. ليس هذا وقت النوم. ومع ذلك علي الخلود للراحة بعد قليل للاستيقاظ غدا مبكراً، في السادسة والنصف صباحا. من الصعب، في مثل هذه الحالة، اقتناص ولو إشارة واحدة يمكن أن تورّط العين والقلب معاً في مطاردة ليلية لمدينة مبذولة الآن بأقل جهد. غلبني التعب والنعاس وأنا أحدق بنصف عين: أخطبوطٌ في التلفزة. نعم، أخطبوط حقيقي يلعب في مسبح كبير على قناة BBC عربي، القناة الوحيدة الناطقة بالعربية في هذا الفندق الذي يقع غير بعيد عن ساحة ألكسندر، إحدى الساحات الكبرى الشهيرة على الجانب الشرقي للمدينة.
يكفي أن تكون في برلين ليتوقف الزمن لبعض الوقت. يتباطأ قليلا حتى لكأنك تسمع جلبة آتية من مكان قريب جدّاً: ‘ هنا جنّة الشعب الحقيقية’. بالتأكيد، ستنتشي هنا لأنك تعيد قراءة ‘فاوست’ من جديد، ثمّ وأنت تتنقّل من زقاق إلى زقاق، ومن شارع إلى شارع، ومن ساحة إلى ساحة بلا تخطيط. ستعاهد نفسك أن تنسى الجدار الذي لم يعد يختزل المدينة. هي أكبر من قصة جدار سقط ذات يوم. لقد شوّش هذا الجدار اللعين على تاريخها العريق، كما شوّش على العالم أجمع في النصف الثاني من القرن العشرين، وحجب عنها فترات زاهية سابقة عاشتها هذه المدينة، وكثيراً مما هو جدير بالتذكر والاعتراف قبل بناء الجدار. لكن كل هذا قليلٌ من برلين، في اليوم الأوّل من الزيارة.
الإثنين، 22 أبريل
اليوم دخلت برلين من أبواب متعدّدة. المرشد ميخائيل يتحدث العربية جيّداً، بالرغم من لكنة ألمانية تكسّر الحروف بطريقة مضحكة. عبرت من برلين الغربية إلى الشرقية، ومررت بالعديد من المعالم التاريخية من دون أن أنزل من الباص، باستثناء وقفة قصيرة ) خمس دقائق ألمانية وليست عربية كما قال ميخائيل’(‘!، أمام البوابة الأشهر في برلين: بوابة براندنبورغ. رمز برلين ورمز الوحدة الألمانية. يقال أن نابليون لما دخل برلين سنة 1806 سرق العربة التي فوق البوابة وجلبها إلى باريس، بعد ذلك بسنوات استعادها الألمان. شُرع في بناءها من سنة 1788 إلى سنة 1791، وتقع على خطّ ما كان يسمى ممرّ الموت.
ها هو ممرّ الموت. الجدار مرّة أخرى، لا مفرّ منه. تدور وتدور وترتطم به. أينما ولّيت وجهك تجده، حتى وهو غائب تعثر بسهولة على أثره لا يزال يخترق الأزقة والشوارع والساحات. يضعون علامات على مساره ليبقى حاضراً في الذاكرة. قصة الجدار هي قصة المدينة من فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى نهاية الثمانينيات. جدار تم بناؤه سنة 1961 لفصل الجزء الشرقي الذي كان تحت النفوذ السوفياتي عن الجزء الغربي الذي كان تحت نفوذ الحلفاء. وممر الموت هذا هو ذلك الممر بين جدارين يفصلان بين جزئي المدينة وكان تحت المراقبة الصارمة والدائمة، وقد مات فيه العديد من الهاربين الذين حاولوا الالتحاق بالجزء الغربي طلباً للحرية والعمل أو فراراً من الفقر وبطش أجهزة المخابرات الشرقية. نعم، لا يزال الجانب الشرقي غير متوازن مع الجانب الغربي حتى الآن، رغم الجهود الكبيرة التي بذلت لتذليل الفوارق وإدماج الجزء الشرقي للمدينة في الرخاء الذي يعرفه جزؤها الغربي. كل هذا أصبح من التاريخ. رغم أنه من أبرز خصوصياتها، كما لكلّ عاصمة أوروبية عريقة هوية خاصّة كذلك: باريس، لندن، مدريد، روما…
أخيرا وصلت إلى شارع ‘تحت ظلال الزيزفون’. قريبا من جزيرة المتاحف. الشارع الشهير الذي ترجم المنفلوطي كتاباً بعنوانه من الفرنسية إلى العربية سماعاً من دون أن يقرأه. والذي قال عنه دوستويفسكي أيضاً: ‘ ساكن برلين مستعد لأن يضحي في سبيل المحافظة عليه بأعزّ ما يملك، وربما ضحّى في سبيله بالدستور’! ‘. بني هذا الشارع منذ حوالي أكثر من قرن ونصف وكان هو الشارع الرئيسي للمدينة خلال فترات طويلة. يضمّ العديد من الجامعات والسفارات والمتاحف وقصر فريديرك الكبير. وهو شارع جميل حقاً، تشعر وأنت فيه كما لو أن التاريخ يمارس سحراً خاصّاً على العابرين.
مررت في طريقي أيضاً بمقهى ‘اينشتاين’ قبل الوصول إلى الشارع الفرنسي. مقهى في ركن جميل. هناك جملة لإينشتاين على جدار إحدى العمارات لم أستطع فكّ رموزها لأنها بالألمانية. المهم أن كلام السيد اينشتاين وغيره من العظماء حاضر في كل مكان. ذلك لأن الثقافة في برلين هي الرئة الثانية بعد الرئة الأولى: 40 في المئة من مساحة المدينة خضراء، بمعدل 400000 شجرة. ويربي البيرلينيون 200000 كلب بمعدل شجرتان لكلب. مررت أيضاً بشارع كارل ماركس وكان يسمى شارع لينين سابقا. وفيه ينتصب تمثال نصفي صغير لماركس )غاسو فقط كما قال ميخائيل، ويقصد رأسه طبعاً. (مررت أيضا بشوارع مكسيم غوركي، حنة أرندت، روزا لوكسمبورغ، محطة السكة الحديد وهي الأكبر في أوربا والأحدث في العالم وتمتد من الشرق إلى الغرب عبر النهر. كل المباني هنا ضخمة، كما هو الحال في باقي مدن أوربا الشرقية، ويتم هدمها عاماً بعد عام لتحلّ محلها أخرى حديثة.
إنها برلين أيّها التّائه، كما لو كان في حجارتها حبّ. حب من النوع الذي يعصف ويتضاعف كلما تهدّم جدار جديد. حب يؤلّف بين العائلة الواحدة وليس قدراً ماكراً يفرّق شملها. لديك الآن فيضٌ من السحر. إذا تسلّلت إلى غرفتك في الفندق وصنعت قهوة من لا شيء، فذلك سحر. إذا خرجت متسكّعاً وقطعت شارعين كبيرين لتصل إلى ساحة ألكسندر، وتشاهد كل هؤلاء المتنزهين، الواقفين في انتظار الترامواي، الخارجين من المحلات الكبرى، والعابرين إلى السّاحة من كل اتجاه، ثم توقفت لحظة أمام نصب يحيط به حزام دائري كبير يشير إلى أرقام الساعة الأربع والعشرين، وتحت كل رقم اسم مدينة عالمية تقع في خطّ التوقيت، وفوقه ينتصب مجسّمٌ لذرة عملاقة تدور من حولها إلكترونات. فتسأل: ما علاقة الوقت بالذرة؟ بالطبع، إينشتاين لديه الجواب الشافي. لكن هل فعلاً للوقت كلّ هذه الأهمية لدى الألمان؟ تسأل أنت العربي الذي جاء من بلاد لا تمنح أيّ قيمة لذرّة وقت واحدة، وتعرف الجواب مسبقاً. ثمّ إذا قرأت إعلاناً عن معرض للوحات سالفادور دالي، ومعرض لأعمال أندي وارهول ولفنان عالمي آخر معروف، فهذا فيضٌ من السحر. معارض كثيرة ومتزامنة ومن الصعب زيارتها كلّها. تسأل عن مكان معرض ‘دالي’ فيأتيك الجواب أنه قرب ساحة ليبزينغ ويفتح يوميا من التاسعة صباحا إلى الثامنة مساء.
برلين تستحق لقب عاصمة الثقافة العالمية عن جدارة. كل الثقافات منصهرة هنا: أوروبية، أمريكية، هندية، كورية، إفريقية…مع احتفاء قلّما نجد مثيلاً له في مدن أخرى بالفنون التشكيلية والنحت والاعتناء بالحدائق وجماليات التخطيط الحضري. تجد فيها أرقى ما تتطلبه الحداثة المتسارعة مع حفاظ على روح وهوية وخصوصة المدينة التاريخية.
الثلاثاء، 23 أبريل
البوندسرات هو مجلس الولايات. كان سابقاً أكاديمية للدفاع في الفترة النازية. معلقةٌ في سقفه ثلاثة أعمدة حديدية مذهبةً ومدبّبة من الجانبين، مسنودة بدعامة صغيرة من قضيبين. تنزل من ثلاث فجوات دائرية في قبّة المبنى وتتململ في الوسط بشكل لولبي. تتحرك ببطء استجابة لأوامر من جهاز إلكتروني يرصد حركة الزائرين في بهو الممر. الزّوار عادة مطالبون بحل اللّغز: ما معنى هذه الأعمدة الثلاث؟ الجواب: هي ترمز إلى ثلاث راقصات يونانيات كن يقمن بالرقص ترحيباً بضيوف الإله زيّوس. وتقول الأسطورة أن زيّوس لما كان ينصرف للّهو والاستمتاع مع راقصاته الثلاث يعمّ الهدوء ويسود السلام، لأنه في أغلب الأوقات كان مشغولاً بالحروب والفتن. وهذه الأعمدة هي تكريم لراقصات االإله زيّوس، لأن رقصهنّ كان ينقذ العالم من الحروب. وهي ترمز أيضاً إلى السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية وللتوازن بينها الذي تعكسه مرآة دائرية مثبّتة على بلاط البهو.
في مطعم ‘إل بونتو’، كان هناك حاجز خشبي يفصل طاولة العشاء عن بقية أجزاء المطعم. فجأة، دخل ‘سركون بولص’ وأغلق الحاجز بهدوء وانسحب. كان هذا النادل الألماني يشبه سركون تماماً بشعره الأشيب وتقاسيم وجهه الوسيمة، يشبهه لدرجة مخيفة بطلعته المهيبة وقميصه الجينز الأزرق كما في إحدى صور سركون القديمة. هل يعقل أن يعود سركون إلى الحياة من جديد؟ هل أتوّهم حضوره فقط؟ لكن لا، هذا ما حدث بالضبط، حتى أنني من فرط غرابة المشهد فكرت في أن ألتقط له صورة، لكني تراجعت في آخر لحظة بعد أن بدا لي الأمر سخيفاً. نعم يا سركون، قبرك ليس هنا في برلين. لكن روحك ترفرف في ليل كلّ حي من أحياء هذه المدينة. وربما هي دعوة مقنّعة لزيارة مقامك يوماً أيها الشاعر.
رأيت صورة الأيّل على جدار وراء واجهة من زجاج. وبجواره معرض Imran Qureshi، أفضل فنان في سنة 2013. تمنيت أن أزوره. لكن هذا ربما سيكون في حياة أخرى، لأن لا مجال للتنفس. فاليوم مزدحم بالمواعيد وليس لديّ فسحة لزيارة أي شيء.
أخرج بسرعة من الفندق وأنطلق من جديد في اتجاه شارع ‘ تحت ظلال الزيزفون’. لا أنتبه إلى السماء التي تتوسطها شمس ربيعية دافئة. لا أنتبه للمارة ولا للدراجات الكثيرة التي تمر بجانبي. هنا أيضاً تاكسيات صديقة للبيئة على شكل دراجات. الراكب يتنزّه والسائق يمارس رياضته. إنها مدينة الربيع الدائم وليس الربيع الدموي. كل شيء معدّ ومنظم لتكون الحياة هي القيمة الأسمى والهدف الأوحد الذي تتوجه إليه جميع الطاقات والمبادرات. إنها مدينةٌ سليمة القلب تفتح عينيها بثقة على العالم.
الأربعاء، 24 أبريل
إلى بوتسدام، عاصمة ولاية براندنبورغ. مدينة صغيرة جميلة لكنها هادئة جدّاً لدرجة الملل. هي الولاية المستقلة الأقرب لبرلين وتعاني من كون هذه الأخيرة تسرق منها التوهج دائماً، لأنها تحيط بها فيما يشبه طوقاً من كل الجهات. هناك فرق في الإمكانيات وفي زخم الحياة أيضاً. كأن برلين هي النواة الكبرى التي يشعّ ثراؤها على كل الجهات. بوتسدام معروفة أيضاً بوصفها محل الإقامة السابق لملوك بروسيا حتى 1918، وتضمّ سلسلة من البحيرات المترابطة والمناظر الطبيعية الفريدة، منها بشكل خاص المنتزهات وقصور سانسوسي، وهي تعدّ الموقع الأكبر من مواقع التراث العالمي في ألمانيا.
في طريق العودة وسط برلين مررنا بشارع كبير إسمه ‘فريديرشتراسيه’ ) شارع فريديريك .( شارع برلين الأسطوري خلال العشرينات من القرن الماضي. وقد أبى المترجم السوري الأصل السيد محي الدين إلاّ أن يتحف أسماعنا بأبيات شعرية بلغة عربية سليمة وجزلة، ألقاها علينا واقفاً بالحافلة. وهي قصيدة تحكي شكواه إلى أهله من البرد لما كان طالباً في ميونيخ في الستينات، وهي الوسيلة الوحيدة لطلب المال من الأهل بطريقة غير مباشرة، كما قال، كانت شائعة جدّاً آنذاك. كنت أنصت لقصيدته الموزونة بإتقان فيما الباص يعبر ما يسمّيه الأجانب ‘شانزيليزيه برلين’. شارع فخم يضمّ بنايات حديثة وأشهر محلات الموضة والماركات العالمية، وظلّت صدى قوافيه تتردّد بداخلي حتى باب الفندق.
أخيراً. في المساء خطفتُ وقتاً لزيارة معرض العبقري ‘سالفادور دالي’. يمكن أن أسمّي هذه اللحظة ذروة الغرق في طوفان برلين. دخلت المعرض حوالي السابعة مساء قبل إغلاقه بساعة. قضيت تلك الساعة في ما يشبه حالة انخطاف روحي غير مسبوق. صعبٌ أن تشاهد رأي العين، للمرّة الأولى، عملاً من أعمال ‘دالي’ دون أن تجتاحك رعشة صاعقة من الدهشة والاستمتاع. تقابلك صوره السوريالية وكأنها شريط من حلم جميل قديم يثير الأسئلة الأكثر إشكالاً في علاقة الذات بنفسها وبالعالم. إنها لحظة استثنائية تتمنّى لو تستمرّ لساعات. مشاهدة هذه الأعمال هو بلا شك نوع من التطهير الغامض. حمّام من الألوان المذهلة التي توقظ في اللاّشعور كمّاً هائلاً من إشراقات الجمال.
بالنسبة لي على الأقلّ، غير مقبول أن تكون في برلين، أو في ألمانيا عموماً، ولا تتفرّج على مباراة في كرة القدم. لديّ سابقة في ملعب ‘أليانز أرينا’ بميونيخ قبل سنوات. الشعب الألماني شغوف جدّاً بهذه اللعبة منذ عقود طويلة. وقد صادف وجودي في برلين هذه الأيام مبارتين حاسمتين لنصف نهائي دوري أبطال أوربا. فريقان ألمانيان عريقان ضد قطبيّ الكرة الإسبانية: برشلونة وريال مدريد. بالأمس انهزم برشلونة برباعية أمام بايرن ميونيخ. واليوم، أنا جالس في مقهى إيرلندي، غير بعيد عن ساحة ‘ليبزينغ’، لأتابع أطوار مباراة مثيرة بين بروسيا دورتموند وريال مدريد. كانت الغلبة للألمان هذه المرة أيضاً. كنت أتابع شغف وقلق البرلينيين، وفيهم شباب وشيوخ، وتثيرني الجدّية البالغة والحماس العجيب الذي ينطق به وجوههم، وكأنهم يشاركون البافاريين اللّعبة في الميدان. الخلاصة هي : ‘لا يهمّ أن تفوز ميونيخ أو دورتموند، المهمّ أن تفوز دوماً ألمانيا الفيدراليّة’، هكذا أسرّ لي شيخ ألماني كان يجلس إلى جانبي.
اللّيل من جديد. بقعةُ حبر أزرق صغيرة على غطاء السّرير الأبيض الناصع. هذا ليس إسمي. هو توقيعٌ من دون قصد لبرلين، جنّة الشعب الحقيقية، في اللّيلة الأخيرة قبل الرحيل.
شاعر وكاتب من المغرب
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو