بفضل الطرق المتوافرة حالياً للكشف المبكر عن سرطان الثدي، أصبحت فرصة العلاج الناجح متاحة للكثير من المصابات. ولكن ذلك - للأسف - لا ينطبق على 20 % من هؤلاء المريضات اللواتي يعانين مما نسميه 'سرطان الثدي ثلاثي السلبية' Triple-negative breast cancer حيث قوبلنا بمردود محزن ونتائج مخيبة للآمال.
حالياً، استطاع باحثون من كلية الطب في جامعتي 'هارفرد' و 'بايلور' الأمريكيتين تحديد مكوّن جزيئي molecular component هام وخطير للمرض، والذي بدوره فتح المجال أمام تجارب إضافية على الفئران تقترح إمكانية الاستعانة بمعالجة تتضمن مجموعات من الأدوية المرخص لها من قبل وكالة الدواء والغذاء الأمريكية (FDA-approved) من جهة، ومتوافرة بسهولة من جهة أخرى.
'في حين احتاجت العديد من الاكتشافات الأساسية لمدة 10 أو 20 أو حتى 30 سنة لتتمكن من التأثير على حياة المرضى، فإن هذا الاكتشاف سيترك أثره في حياتهم خلال سنة واحدة فقط' هذا ما قاله توماس ويستبروو كأحد كبار المتخصصين بعلوم الكيمياء الحيوية والجزيئية والذي كانت له فرصة العمل كأستاذ في كلا الجامعتين العريقتين سابقتي الذكر.
يعتبر سرطان الثدي ثلاثي السلبية واحداً من الأدواء العدوانية aggressive disease التي تقتصر الخيارات العلاجية فيها على القليل. حيث لا يتاح علاج المصابات به إلا من خلال العلاج الكيماوي chemotherapy، وإذا ما انتشر المرض، عندها لن يزيد متوسط معدل البقيا the median survival rate عن سنة واحدة على الأكثر.
إن التعقيد الذي يكتنف هذا النوع من سرطانات الثدي، يجعله عصياً على العلاج. فهو متغاير العناصر إلى حد كبير ومكتسب لخصائصه بالتعبير عن مئات الطفرات المورثية. ومن دون معرفة التبدلات الجزيئية molecular switches الحاسمة التي تطلق هذا النمط من سرطان الثدي، لم يملك الباحثون إلا الوقوف مكتوفي الأيدي عاجزين عن تطوير علاجات هدفية targeted therapies تحقق النجاح المطلوب.
خَلُص الفريق المكون من باحثين من كليتي الطب في كلا الجامعتين إلى تحديد إنزيم يسمى 'التيروزين فوسفاتاز PTPN12' تبين أنه معطل في 60% من حوالي 200 حالة من سرطان الثدي ثلاثي السلبية تم اختبارها. وينتمي هذا 'الفوسفاتاز' إلى صف من الإنزيمات التي تحافظ على سُبُل النمو الخلوي تحت المراقبة، وتحمي الخلية من الشذوذ في نموها نحو التطور السرطاني.
وقد استطاع الفريق البحثي تحديد هذا الإنزيم الحاسم من خلال مراقبة أطباق بتري petri dishes للبحث عن البروتينات التي يسبب غيابها تحول خلايا الثدي الطبيعية إلى سرطانية. وهذا ما أكده أستاذ علم الوراثة في جامعة هارفرد 'ستيف إلليدج' حين قال: 'كنا نبحث تحديداً عن الجينات المسؤولة عن دفع الخلايا إلى حافة الهاوية'.
إن إحدى الوظائف الأساسية للتيروزين فوسفاتاز هي إيقاف عمل مجموعة أخرى من الأنزيمات (تندرج تحت تسمية تيروزين كيناز المستقبلات) receptor tyrosine kinases والتي تلعب دوراً هاماً في النمو الخلوي.
وهذا ما انطلق منه الباحثون ليخلصوا إلى فكرة مفادها: إن استطعنا معرفة الأنزيمات التي تتفعل بغياب الـ PTPN12 فسنتمكن بالنتيجة من تحديد أهداف بالغة الدقة للأدوية التي قد تسهم في تطوير معالجات لمريضات سرطان الثدي ثلاثي السلبية.
وللوصول إلى هذا الهدف توجه الفريق للاستعانة بالأستاذ في مجال البيولوجيا الخلوية 'ستيف جيجي'.
ومن ثم، وبإلقاء نظرة على كل البروتينات التي تفعلت في الخلايا التي غاب عنها الـ PTPN12، استطاعوا إيجاد إنزيمين حاسمين في مسار تطور سرطان الثدي أو التسبب بإعطاء النقائل metastasis، وهما : EGFR و HER2 .
إضافة إلى ذلك فقد لجؤوا إلى تقنيات الكيمياء الحيوية للتوصل إلى إنزيم مستقبل ثالث يدعى الـ PDGFR-b، يتم تنظيم عمله أيضاً من خلال رقابة PTPN12 .
وبالتالي فقد خلصت هذه النتائج مجتمعة إلى أن التفعيل غير الملائم لهذه الأنواع الثلاث من التيروزين كيناز يمكن أن يكون المسبب الأهم لسرطان الثدي ثلاثي السلبية.
'لقد تمكننا من انتزاع موطئ قدم 'جزيئي' molecular foothold في سرطان الثدي ثلاثي السلبية ! ' هذا ما قاله مكتشف الـ PTPN12 الأستاذ ويستبروك، وأضاف: 'بدأنا الآن بفهم المرض بشكل أفضل. والأهم من ذلك، أننا حصلنا على أساس منطقي لتطبيق تركيبة من العلاج الدوائي له'.
ففكرتهم تقوم على مبدأ يقول: لعلاج المرض، علينا إيقاف تشغيل ثالوث الأنزيمات (سابقي الذكر) عبر استهدافهم بالأدوية المناسبة.
ولتقييم هذه الاستراتيجية، استفاد الفريق من وجود دوائين يستعملان مسبقاً لعلاج أنواع أخرى من السرطان، هما: laptanib (Tykerb) الذي يوقف تشغيل EGFR و HER2، وكذلك الـ sunitinib (Sutent) الذي يوقف تشغيل PDGFR-b .
قام الفريق بتطبيق هذين العلاجين معاً أو كلّاً منهما على حدا على فئران تجربة مصابة بسرطان الثدي ثلاثي السلبية. فظهرت النتائج كما يلي: في الفئران المعالجة بالـ sunitinib وحده، تقلص حجم الورم بما يقارب الـ 80%. أما في الفئران المعالجة بالدوائين معاً، فقد تقلص الورم بما يفوق الـ 90%، وازداد مأمول الحياة بما يربو على الضعفين.
بالتالي فقد خلصت النتائج إلى أن sunitinib و laptanib (أو ما يشابههما من أدوية)، قد تمثل علاجاً واعداً لمرضى سرطان الثدي ثلاثي السلبية. وبما أن كليهما مرخص له من قبل وكالة الغذاء والدواء الأمريكية ومتواجدان بوفرة، فلا مانع من البدء الفوري لتجربتهما على المصابات بسرطان الثدي ثلاثي السلبية.
ختم الأستاذ إيلليدج بقوله: 'لقد تمكن هذا البحث من إعادة لفت النظر إلى العلاقة التي تجمع بين العلوم المخبرية الأساسية وبين صحة الإنسان'. وأضاف: 'إذا استطعتََ معرفة ما الذي يقود إلى السرطان، تستطيع بالتالي أن تفكر في طرق استهدافه علاجياً - بالاستفادة من تقنيات الهندسة الوراثية وعلم الحياة الجزيئية - '.
في النهاية لم يبقَ إلا أن ننقل أمل الفريق بإطلاق المرحلة الثانية من تجارب علاج سرطان الثدي ثلاثي السلبية مع بداية عام 2012.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو