الأحد 2024-12-15 01:00 ص

أين أخطأ الأسد ؟

04:57 ص

عند نهاية كل عام وبداية عام جديد تنشغل الحكومات ووسائل الاعلام بعمل جردة حساب لأحدات العام الراحل ، عادة يتم الاهتمام بكوارث الطرق والطيران ومسائل الاقتصاد والسياحة والابتكارات العلمية الخ .

في سوريا كانت الجردة مختلفة : اكثر من 40 الف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى ومئات الآلاف من المعتقلين والمفقودين وبضع ملايين من المهجرين في الداخل واللاجئين الى دول الجوار .
ولا نعرف ان كان رئيس الوزراء السوري قد راجع حصيلة العام الماضي وهو يودعه بتصريح غامض عن استعداد النظام للحوار و انه يقبل التعامل مع جميع المبادرات الدولية لإنهاء الازمة . لو كانت هذه هي حقيقة موقف بشار الاسد فلماذا لم ينجح المبعوث الدولي الاخضر الإبراهيمي بانتزاع موافقة منه على خطته للحوار والمرحلة الانتقالية وهو الذي غادر دمشق قبل ايام قليلة فقط ؟ .
من الحكمة ان يعود النظام الى القاعدة التي تقول بان الرجوع الى الحق خير من التمادي بالباطل . لقد أخطأ الرئيس السوري مرتين : الاولى عندما اندفع وراء خليته الأمنية بعد اشهر قليلة من الثورة ، مصدقا حساباتها بان الحل الأمني هو اسرع وأسهل الطرق للإجهاز على ربيع الشعب السوري في مهده، بحجة ان ما يجري في سوريا غير ما جرى في مصر وتونس وليبيا . وكان عليه كما قال العميد المنشق مناف طلاس ان يبادر مبكرا الى طرد ومحاسبة جميع المسؤولين الأمنيين الذين نفذوا الحل الأمني فصبوا الزيت على النار ، لكنه فعل العكس عندما استجاب لطلب خليته الأمنية بزج الجيش السوري كله في المدن بينما دوره ان يدافع عن الشعب لا ان يقتله .
والخطأ الثاني الذي ارتكبه الاسد ان استجاب والى حد الاستسلام للسياسة الروسية تجاه الربيع في بلاده ، لقد وجد بوتين ولافروف ان في مصلحة بلادهما توسيع الصراع واطالته ، وتحويله من حالة هي جزء من الربيع السياسي في المنطقة الى نقطة مواجهة مركزية في العلاقة بين روسيا وبين الولايات المتحدة. فمنذ سقوط حائط برلين وانهيار حلف وارسو لم يعد وسط اوروبا نقطة المواجهة المركزية في العالم بين روسيا والغرب، وعبثا حاولت موسكو خلال العقدين الماضيين خلق نقطة مركزية بديلة في العراق وليبيا لكنها فشلت وتراجعت امام الضغط العسكري والسياسي الامريكي والأطلسي .
نجح بوتين في جر الاسد لكي تكون سوريا نقطة مواجهة مع الغرب، وهو يعرف ان الاسد لن يربح المعركة لكنها فرصته لاعادة روسيا الى طاولة المساومة في الساحة الدولية وخاصة الاوروبية، من اجل منع حلف الأطلسي اقامة جداره الصاروخي وسط اوروبا اضافة الى مكاسب اخرى تعزز دوره في الملف النووي الإيراني .
أخطاء الاسد غير قابلة للاصلاح فانهار الدم لا تزال تتدفق في سوريا وتبعة ذلك ثقيلة لا يستطيع التنصل منها بإلقائها على من يخلفه اذا قرر الرحيل واللجوء الى بلد آخر، جيشه القريب منه لن يسمح له بذلك، وروسيا بوتين - لافروف تقبل فقط ان يرحل على بساط السياسة الروسية ومكاسبها وليس عن اي طريق آخر .
وضع الإبراهيمي سوريا عشية العام الجديد امام خيارين : الحل السياسي او الجحيم، وهو خيار لا معنى له على ارض الصراع فالجحيم يجتاح سوريا منذ عام ونصف ومع ذلك لم يجني النظام حلا سياسيا بل كل ما جناه هو الوقوع في حفرة أخطائه، وما يفعله انه يداوم على الحفر تحت أقدامه بدل ان يتطلع الى اخراج نفسه والبلد من الحفرة .


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة