الأربعاء 2024-12-11 22:28 م

إذا كان الاستنكار حقيقياً

07:28 ص

إذا كان استنكار العرب للقرار الأمريكي بنقل السفارة حقيقياً وجاداً، فهذا يترتب عليه مجموعة من الإجراءات الضرورية التي تتناسب مع الحدث، وعندما يصرح الزعماء والقادة العرب ووزراء الخارجية بأن القرار الأمريكي بنقل السفارة يمثل تحدياً سافراً للمجتمع الدولي والقرارات الدولية ويزيد من حدة التطرف والعنف، فضلاً عن الاستخفاف بمقدسات مليار ونصف من المسلمين في العالم، فهذا يوجب عليهم الارتفاع إلى مستوى تصريحاتهم ازاء الحدث واتخاذ الخطوات الدبلوماسية التي توازي هذا التحدي وهذا الاستخفاف، وإذا كانت الخطوة الأميركية الإسرائيلية تعد نسفاً لكل المعاهدات والمواثيق، ونسفاً للوعود المتعلقة بملفات الحل النهائي، فهذا يقتضي حتماً إعادة النظر بها جميعاً بشكل فعلي وجاد، فهناك ما يمكن فعله من الجانب الرسمي العربي لا يصل إلى حد إعلان الحرب ولا تحريك جيوش وقطاعات عسكرية، ولكن يمكن الشروع باتخاذ خطوات دبلوماسية متدرجة تتمثل بوقف كل أوجه التعاون مع الكيان الصهيوني، ابتداءً من استدعاء السفراء وتجميد الاتفاقيات والمواثيق وما يتفرع عنها، وإذا لم تتم الاستجابة فلا بد من الوصول الى قطع العلاقات في نهاية المطاف وإغلاق المكاتب التجارية والسفارات وطرد السفراء.
إذا كان هذا الحدث كما وصفته التصريحات الرسمية


ونقلته وسائل الإعلام بوضوح فهذا يحتم البحث عن البدائل في العلاقات والتحالفات، ولا بد من تغيير البوصلة على وجه السرعة تحت وطاة سخونة الحدث، والتهيؤ للقيام بالاستدارة الكاملة نحو اتجاهات أخرى مناقضة لما سبق، وتقوم على أسس جديدة ومباديء جديدة تقتضيها دواعي الانسجام بين الأقوال والأفعال بالحد الأدنى.
إذا كانت الشعوب تعبّر عن غضبها من خلال المظاهرات والاحتجاجات والهتافات والشعارات والاعتصامات والبيانات الشاجبة والغاضبة فهذا ليس مقبولا ولا كافياً من الزعماء العرب والسلطات الحاكمة والأنظمة الرسمية، إذ يتوجب عليهم القيام بخطوات عملية وإجراءات رسمية مرتبة وفق برنامج زمني مدروس ضمن الاستطاعة والامكان.


ينبغي أن تكون هناك مسافة ملحوظة بين موقف السلطة الفلسطينية في المقام الاول وغيرها من الأطراف العربية الأخرى ً، من حيث التقدم إلى الأمام بوضوح وجرأة باتجاه ملامسة الحدث، وبعد ذلك ينبغي أن تكون هناك مسافة كبيرة ايضا في المواقف بين الدول العربية إزاء هذا الحدث ومواقف الدول العالمية الأخرى، إذ ليس معقولاً أن تكون المواقف متشابهة ومتقاربة من حيث الاقتصار على المعارضة والاستنكار، فإذا كان ذلك مقبولاً من الأوروبيين وغيرهم فلا بد أن تكون المواقف العربية أكثر جرأة وجدية في العلاقة مع الإحتلال لبلادهم ومقدساتهم.


الموقف ممّا جرى بخصوص القدس يمثل محطة فاصلة بين مرحلة ومرحلة، وهنا يحتم المنطق السياسي البحث عن استدارة كاملة للدول العربية من حيث معرفة الصديق من العدو ورسم خطوط الاصطفاف من جديد، وتقتضي الحكمة البحث عن امكانية نسج علاقة مع الأتراك بالدرجة الاولى، فتركيا بحاجة إلى حلفاء وأصدقاء جدد بعد أن انقلب عليهم أصدقاؤهم الأوروبيون والأمريكان في محطة الإنقلاب العسكري الفاشل الذي حدث في تركيا، مما جعل أردوغان يؤمن يقيناً بأنه لا أمان لهؤلاء الحلفاء القدامى، وقام باستدارة كاملة نحو انشاء علاقة جديدة مع روسيا وقوى عالمية اخرى، والعرب أيضاً يجب أن يعلموا علم اليقين أنه لا أمان في العلاقة مع «إسرائيل» ولا حليفتها أمريكا، الذين لا يقيمون وزناً للعلاقة مع العرب إلا من باب الاستخفاف والاستعلاء، وهذا يحتم على العرب الشروع بانشاء تحالفات أكثر صدقاً وأصلب أرضاً.


وفي هذا السياق يمكن التفكير في تحسين العلاقة مع إيران على اسس جديدة وضوابط مدروسة من أجل فتح صفحة جديدة تقوم على تقدير المصلحة المشتركة وتبادل المصالح المتبادلة عبر علاقة سليمة خالية من الشكوك وإساءة الظن، وبعيدة كل البعد عن منهج الاختراق وتحقيق الأهداف الالتفافية، بالإضافة إلى سهولة بناء علاقة مع الباكستان وبقية دول العالم الإسلامي وكذلك بقية دول العالم الحر، حيث هناك معالم عزلة عالمية بدات تتشكل حديثاً نحو أمريكا «وإسرائيل» تحتاج الى استغلال الفرصة بطريقة فاعلة تحت وطاة سخونة الحدث قبل ان يبرد.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة