السبت 2024-12-14 12:29 م

إشفاق متبادل !

10:16 ص

اصبحت مدمنا لمشاهدة قناة فضائية مُتخصصة في اعادة بث البرامج والافلام والحوارات بالابيض والاسود، وحين اشاهد ما فاتني اشعر بأنني اسدد مديونية ثقافية، ولو اتيح للأجيال الشابة ان تشاهد ما شاهده الاباء وحرم منه الابناء لأتاح لها ذلك فرصة المقارنة بين زمنين .

مقدمو البرامج الذين تعيد هذه القناة بث ما قدموه قبل اكثر من نصف قرن وما بذلوه من جهد ووقت لم يكن في المكياج واستخدام الباروكات بقدر ما كان في تثقيف انفسهم ومتابعة ما ينشر من كتب في مختلف مجالات المعرفة، والمذيع او المذيعة التي حاورت عباس العقاد لثلاث ساعات بلا فواصل لا بد انهما احاطا بمعظم ما كتب العقاد، لهذا استمر الحوار دون ملل وبلا تثاؤب او شعور بضيق التنفس والغثيان . لم يكن المذيعون والمذيعات في ذلك الزمن نجوما يتبادلون الادوار مع ضيوفهم ولم يكن لديهم من الاجر ما يعادل عشرة اضعاف مرتب استاذ جامعي .
احدى مقدمات البرامج في ذلك الزمن الذي قد لا يتكرر احضرت معها الى منزل طه حسين ابرز واشهر عشرة مثقفين في مصر، وحين شاهدت ذلك الحوار شعرت انه يعادل قراءة خمسة كتب على الاقل، ولم تكن المذيعة مستغرقة في تسبيل عينيها او اظهار ما تتيحه لها الشاشة من مفاتن، بل كانت حريصة على اقناع طه حسين وضيوفها بأنها جديرة بالمهنة التي تمارسها وليست طفيلية عليها او تسللت الى الشاشة بالواسطة سواء كانت من عشيق مُتنفذ او من جمال شكلها !!
وكم اشعر بالاشفاق على جيل حرم من نعمة ذلك الزمن ونقمته ايضا، فمعظم ما نشر من كتب مؤلفة او مترجمة والآلاف منها نفد ولم تعد طباعته، ومعظم ما قدم من ندوات وبرامج حوارية اصبح طي النسيان، وقد يسخر البعض من هذا الاشفاق ويقولون العكس وهو انهم يشفقون على جيلنا الذي حرم من هذا الضجيج وهذه السطحية وهذه اللامبالاة !!
gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة