السبت 2024-12-14 00:37 ص

إلى أين يأخذوننا؟

08:48 ص

ليلة باريس الدامية تأخذنا إلى تصورات مرعبة تتجاوز كل أدبيات مواجهة الإرهاب واستنكاره، فثمة ردود فعل أولية من قوى غربية سياسية وثقافية ومجتمعية غير تقليدية، وعلى الرغم من دمج الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند بين الوطنية الفرنسية وبين دفاع فرنسا عن القيم الإنسانية الكبرى، فإننا ربما سنكون أمام مرحلة أقسى مما شهدناها بعد أحداث أيلول (سبتمبر) في الولايات المتحدة وما تبعها من ملاحقة العرب والمسلمين ونبذهم في طول العالم وعرضه.

سنلاحق مثل أرذال الشعوب والحضارات في المطارات، وسيشار إلينا بأصابع الاتهام والريبة مثل وحوش مفترسة أينما حللنا. ثم سنعود نتباكى على منابر الإنسانية. هذا ما يريد أن يأخذنا إليه تيار الإسلام السياسي وتنظيماته المسلحة سواء بالأفكار الملوثة أو بالمتفجرات أو القنابل الناسفة أو بالذبح والسكاكين المشرعة.
السؤال اليوم، إلى أين تأخذنا هذه التيارات والتنظيمات التي تدّعي انتسابها إلى الإسلام؟ أحد ردود الفعل الأولية في باريس وضع أكثر من أربعة آلاف شخص تحت وصف مشتبه به، ومن المتوقع وضعهم رهن الإقامة الجبرية، وفرض الإغلاق الأمني لأحياء بأكملها في باريس وغيرها من المدن الفرنسية، طبعا المقصود بذلك المناطق التي يقطنها عرب ومسلمون، ومنع هؤلاء من دخول أحياء أخرى بعد إعلان حالة الطوارئ القصوى وإغلاق الحدود وإجراءات أمنية وصفت بانها لم تشهدها البلاد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ومن المرجح وقف العمل بتأشيرة الدخول الاوروبية 'الشنغن'.
المجتمعات العربية والإسلامية بشكل عام هي التي تدفع ثمن الإرهاب أكثر من غيرها. وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود من ظهور هذه التيارات دفعت هذه المجتمعات مئات الآلاف من الضحايا في علاقات غامضة ومريبة ومعارك غير عادلة نتج عنها تدمير دول وتشريد شعوب، جعلت من العرب إما لاجئين او مطاردين أو قتلى أو مرعوبين من القادم، علاوة على ذلك تدفع هذه المجتمعات ثمن ما ترتكبه هذه التيارات من أعمال إرهابية في أنحاء العالم المختلفة بالمزيد من النبذ والكراهية.
لا نتوقع أن يقوم الأوروبيون بمنع العرب والمسلمين من دخول بلادهم، ولا نتوقع ان يفرض الغرب قيودا على إقامة الجاليات العربية والإسلامية وأن يضع تلك الجاليات في 'جيتو' أو احياء معزولة، كما فعل مع اليهود قبل قرون. ولا نتوقع أن تقوم الجامعات الغربية برفض استقبال الطلبة العرب، أو أن يمنع الشباب العربي من دخول ملاعب كرة القدم والمسارح أو دور العروض الفنية. قد لا تكون تلك التوقعات واردة في هذا الوقت، ولكنها غير مستحيلة، وعلينا أن نتوقع إجراءات غير مباشرة مثل المزيد من القيود على منح التأشيرات وفرض المزيد من الرقابة والتشدد على كل ما يرتبط بالعرب والمسلمين.
نحتاج اليوم إلى وضوح حضاري وثقافي وأخلاقي قبل الوضوح السياسي؛ وضوح مجتمعي إلى جانب وضوح مواقف الدول والنخب تحسم فيه المواقف بعيدا عن المراوغة والتسويف والزيف، وانتظار ما يؤول إليه 'الصبر الاستراتيجي' الأميركي، فلن تُخلع أشواكنا إلا بأيدينا، فما يحدث اليوم سيكون لعنة ستلاحقنا بها الأجيال والحضارة الإنسانية.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة