رحلت مبكراً دون وداع لم تنتظر حتى نتائج الانتخابات التي عملت من اجلها وأبديت عليها كثيراً من الملاحظات العميقة وساهمت ككاتب ومفكر في تبيان مخاطر تأخر موسم الديموقراطية، وخشيت دائماً أن تستبدل الحقائق بالبهرجة، وأن يركن المرتاحون إلى عدم هبوب الريح، كنت أحياناً هادئاً لدرجة أن البعض اعتبرك متواطأ، وأحياناً غاضبا لدرجة من صنفك ثورياً أصابته غواية الماضي.
كنت قلقاً تهرب أحياناً وتقاتل أحياناً أخرى وتمزج بين الهزل والجد حتى تبقى ولكن انحيازك للفقراء كان يفضحك امام من يتربصون بهم، جئت من البادية إلى المدينة عارياً إلا من قلم حملته بلا غطاء رغم أنه فار في جيبك أكثر من مرة وأفسد قميصك وهو القادر على افساد حياة الكثيرين لو أتيح له أن يبقى في يدك وأن لا يدفن الان معك.
يا سامي جئت إلى المدينة ولم تتعلم لهجة أهلها بقيت كما الذئب الذي حاولوا أن يحشروه في قفص، لم تبهرك المدينة كما بهرت غيرك ممن وصلوا وباعوا في أول الطريق اكتشفت أن المدينة شيء هش يمكنك أن تضغطه أو تثنيه أو حتى تتجنب أشواكه، أخذت مكانك فيها وبدأت تدعو لبناء جديد لم تصل رسائلنا فيه، كنت تستعجلني ولكني بدأت أقول لك «أكبر منك بيوم قد يكون أعلم منك بسنة، وكنت أقول لك تعلم من النمل الصبر والتراكم وعليك أن تحدق ملياً في الهدف وأنت حر في اختيار الوسيلة ولذا اخترت أكثر من وسيلة وركبت أكثر من راحلة واكتشفت أن أكثرها يراوح في مكانه حتى الكتابة التي أسرجت لها عموداً في الرأي ما لبثت أن أحسست فيه بالنزف وغبت فخشينا أن تنسى ادمانها أو ان تراود غيرها، ولأنك قلق بحثت عن استقرار الوظيفة التي أغرتك حتى وإن كانت في الظل.
لمن أقدم رثائي فيك الآن؟ وأهلك الأقربون فضلوا أن يذهبوا معك، رافقتك كنده وخالد وشام وزوجتك ونسيبك الذي كان صديقك.
لم يبق لي من أقدم له الرثاء ممن أعرف ولذا فإنني سأقدم رثائي لمن كنت تريد أن يكونوا ورثتك، رثائي للمقال والكلمات والأسلوب والحبر والزاوية التي كنت تطل من خلالها، رثائي لعباراتك الجميلة واستعاراتك وجملتك القصيرة المختصرة الوافية رثائي للحرارة التي كانت تتدفق في كلماتك، والتي كانت تطلع بلا مواربه وحين وجدت السقف الذي كنا نستظل به دائماً واطياً غادرت غير مأسوف على «الحاكورة» التي كنت تزرعها في الرأي وها هم ينشرون لك آخر كلماتك وآخر مقالاتك وآخر همك عن الاصلاح والديموقراطية والتغيير.
كنت تشفق كيف نعيش تحت هذه السقوف وكيف نستمر وكنت تقول لي كيف تمضي ثلاثين سنة وأنت مقوس الظهر وكنت تسخر من تعبيري «قليل دائم» أو «أن تضيء شمعة» أو «ما لا يدرك كله» وغيرها من قاموس وضعه المدمنون على الاستمرار بانتظار الفجر حتى لا ينزلوا من مركب الرحلة.
يا سامي..يا صديقي..كنت دائماً في حالة الملهوف دون أسباب اللهفة وفي حالة من يصيد ويتحفز دون وجود صيد أو طرائد أو حتى صحراء، كنت تختصر القول لعل المستمع يفهم فأضحك منك وأطالب بالاطناب فتقول أنت معلم لماذا لم تبق في الجامعة لتظل تشرح طوال حياتك!!
كنت جميلاً في السفر وقد ترافقنا وكنت تجدد نفسك فيه وترى أنه حياة أخرى لم تكن اثنتين أو ثلاثة في واحد شأن من عرفنا معاً بل كنت واحداً في واحد غيرتك الأيام حين كنت أمام مسؤوليات العائلة وتنازع الطموح وحين كنت تشعر أنك قد تتغير، لهذه الأسباب رحلت.!
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو