الوكيل - حين يخوض الروائي الليبي إبراهيم الكوني في خضم أحداث الربيع العربي ويسرد وقائع ذات تشعبات كثيرة نجده يستنزف تقنيات الكتابة الروائية في نسيج سطحي خال من العمق والتأويل وهو يفصح عن تجربة مشهودة حسياً وموثقة بوسائل متعددة مما أضفى على النص رتابة واضحة يعيها القارئ بدءاً من العنوان الرئيس الذي كان يحمل وسمة تقليدية (فرسان الأحلام القتيلة) وانتهاءً بالاعتراف الأخير الذي انطوى على المطالبة باستعادة القيم المغيبة مدعياً أنّ استعادة تلك القيم يتم عبر الرسول القادر لوحده على سوس الواقع بصورة خالية من دسائس اشباح الظلمات…
سبق إبراهيم الكوني في كتابة الرواية نهايات الأحداث وما تؤول اليه، وعمل على توثيق حدث مجتزأ لم تكتمل نتائجه بعد ،مما اثار تساؤلات عدة من قبل بعض النقدة ،إلا إن التبرير الذي يمكن ان يفترض كإجابة، هو أن الروائي أراد أن يشتغل على مساحة جديدة وثرية في كتابة الرواية فيكون له قصب السبق، بالإضافة الى انتمائه لمدينة شكلت جزءاً من تجليات الربيع العربي (ليبيا) مما أعطى له مشروعية الانجاز ..
ان القارئ لرواية إبراهيم الكوني (فرسان الأحلام القتيلة) سيجد مقاربات واضحة بين ما له أهمية كبيرة و فاعلة مع ما هو اقل أهمية،حيث يندرج نصه ضمن نسق تفاضلي بين ثنائيات المواجهة، (أوقفنا زحف الغزاة، أوقفنا زحفهم ،ولكنا لم نفلح في استرداد البنيان. البنيان الذي لم نكتشف أنه حصن إلا بعد وقوعه غنيمة في يد العدو…) يا ترى أي بنيان يقصد؟ مع كون السياق السابق المتصل مع هذا النص يحيل الى توقف زحف الغزاة وهذا يستدعي وجود حصن التجئ اليه في المواجهة، فكيف في الوقت نفسه وقع في يد العدو و(تمركزت فيه فرق القناصة المستجلبة من كل اوطان الدنيا وشرعوا يكتمون انفاسنا ببنادقهم ذات الرؤية الليلية) اذن هناك قيمة مغيبة وراء المكان يشير اليها الكوني وباستعادتها يتم خلاص المدينة بل خلاص المدن بدليل ان هذا البناء استغرق اعوام لاسباب ارجعها حكماء المعمار على حد وصفه الى (جنس التربة) ثم اعلنوا بعد تشاورهم (ان التربة كالانسان لها اوردة وعروق ومسارب خفية وعلنية لان كليهما مستعار من أم واحدة اسمها الارض. وما يصدق على جسد الانسان يصدق على بقعة الارض. فحيثما تسللت العروق استعسر قيام البنيان..) وكأن النص تساوق مع الحديث القائل (الانسان بنيان الله ملعون من هدمه) ثم يستمر في سرد الحدث باستعادة القيم المرتبطة به وتجاذبات المفاهيم التي باتت منقلبة في ظل هيمنة السلطة (هل قلت ان هذه البقعة الشقية هي ارض كانت ملكاً لولي؟ بلى كانت حقلاً استولى عليه الحكام بعد ان تخلص من الولي،لان كل مظلوم هو ولي!).
وفي السياق نفسه يجد القارئ تكثيفاً واضحاً للرؤيا اللاهوتية وتناصاً مباشراً مع النص الديني وكأن الرواية تعالقت بنائياً مع السرد القرآني في بعض مواضعها وحوارياتها المضمرة والمعلنة، (كيف لا يكون هذا العمل عدوانا على شريعة الله التي نصبت هذا الكائن خليفة لها في الارض؟) (اليس هؤلاء هم الاحياء عند ربهم يرزقون والجديرون بلقب شهداء؟) (زلزلت الارض زلزالها واخرجت الدور اثقالها لتعم القيامة) (وما خروجي الان سوى بعث من جوف القبر كتجربة انبعاث يونس من بطن الحوت تماماً..) وهذا ما يستدعي تحفيز البحث عن القيم وتنميطها بنمط ديني مستبعدا فكرة كون الجوهر الإنساني منفصلاً بقيمه عن تراجيديا اللاهوت، فيعمل على توكيد النمو الديني في العقلية الثائرة ومدى انسجام التفكير والتحليل مع المقولات الدينية،على أنها محركات الوعي الثوري وبواعثه نحو التحرر من السلطات المهيمنة (هل يستكثر رجال الدين على امثالي اعتناق الرسالة؟ ألم ينصبنا المولى لنكون له في الارض أخلافاً؟ لماذا لا نقول إن كل انسان في هذه الدنيا رسول، بل واجب كل إنسان في الدنيا أن يكون رسولاً؟ أليس الانسان هو الايمان؟ أي رسالة اعظم من رسالة الايمان؟ لذا ايقنت أن الانسان إذا عدم الرسالة عدم الايمان،وإذا عدم الايمان فلن يكون جديراً بحمل لقب انسان؟..)،كما و أنه يعيد في مظان روايته جدلية عائمة ترتكز على رؤيا فلسفية لتراتب العالم يستعرضها عبر تساؤل موغل بالاستعارات الدينية (لماذا اختارت الاقدار جيلنا ليعيش لعنتين: لعنة طرد سلفنا من فردوس اللاهوت، ولعنة طردنا من فردوس الناسوت!) دون أن يضع أمام القارئ منشأ تلك الجدلية فينتقل مباشرة لتبرير انتفاضة الأجيال اعتماداً على فهمه المسبق (فكيف لا يهب الجيل هبة الرجل الواحد إذا كان في الهبة وحدها الخلاص من موت يبدو حياة، طلباً لموتٍ هو الحياةُ حتى لو تبدى للعميان خلاصاً من الحياة؟)، مما يسجل كإخفاق في سير تعالق الحدث التاريخي و طريقة الإفادة منه في قراءة الحاضر واستشراف المستقبل في الوقت الذي يعترض على تسمية (التاريخ المعاصر) ويعدها تسمية غرائبية متناقضة في تركيبها تمثل سخرية الأقدار.
ثم لا يفوتني في ختام هذا التتبع ان الفت النظر الى ركيزة مهمة اتكأت عليها الرواية وهي الشخصيات، حيث تتعاقب في النص دون استراحات تسهم في عملية انتاج المعنى من قبل القارئ ففقدت الرواية بذلك رمزيتها وانفتاحها واناخت بالقارئ صوب استجلاء الفرضيات والنتائج فحسب وهذا مما يضع المنجز الادبي في حجر زاوية معلناً عن انحباسه داخل افق قرائي ضيق ..
اعتمدت الرواية في قصها على اربعة شخصيات (غافر/نفيس/سليم/سالم جحا) وجاءت هذه الشخصيات في القص بالتتابع (غافر / نفيس) ثم عززهم بثالث (سليم) وكأن الحدث لم تبرز قيمته الا بحضور (سليم) الذي اسهم باتمام الحفر، اما (سالم جحا) والذي يبدو حضوره رمزياً في الرواية بدليل الاهداء ( الى: سالم جحا …الفارس الذي اختزل في شخصه (رمزاً) فرسان الجيل الذين بعثوا من عدم احلام الجيل القتيلة) لم يتعامل معه الكوني في مظان روايته على انه رمز فهو ينحدر بالحديث عنه بشكل مواز لشخصيات الرواية الاخرى ويتساوق معها (لا تسعفني الذاكرة الان: من منا صاحب ذلك الالهام الجنوني؟ أم انه الهام لم يمتلكه أي منا؟ ام انه كان وصية هبطت من السماء فتلقفها قلب المؤمن كما يليق بكل النبوءات سيما واننا كلنا قلب مؤمن إذا ذكرنا باننا كنا كلنا قلبا واحدا كما امنا؟ لا ادري، ولكن ما ادريه هو اننا بدأنا وضع الوصية موضع التنفيذ على الفور..) فالمتخيل الجمعي في قص الحدث يعارض رمزية (سالم جحا) واختزال شخصه لفرسان الاحلام القتيلة، وهذا الايهام الذي سببه الاهداء حدا بالبعض الى تحميل النص فهوما متعددة ومتناقضة فيما بينها..
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو