طوال عقود خَلت , استثمرت المعارضة العربية اليسارية والقومية والاسلامية في تبعية الانظمة للولايات المتحدة 'الامبريالية' ودول الغرب' الكافر' لتحقيق اعلى رصيد جماهيري ممكن , وظلت بيانات تلك الاحزاب والقوى محافظة على لازمة التخلص من التبعية وتحقيق الاستقلال في القرارات الاقتصادية والتنموية وادانة الغرب وامريكا على دعمها لانظمة القمع والاستبداد .
مع بروز الربيع العربي وهيجان الشوارع العربية ازدادت وتيرة الهتاف صخبا وارتفاعا وازدادت وتيرة الاحزاب , وصولا الى شعار اسقاط الانظمة الرجعية والفاشية , وتحالفت كل القوى تحت هذا الشعار وماجت الشوارع والميادين بطوفان بشري فيه اليساري بجانب الاسلامي والليبرالي بجانب القومي بل ونشأت تحالفات على ارضية ثورية من كل التلاوين السياسية وكلها تردد بصوت واحد ' ارحل او هرمنا او مرادفات لها ' .
رحلت انظمة واستجابت اخرى , لكن اللازمة لم ترحل فسرعان ما تخاصم شركاء الميادين والساحات وتقاسموا التهم والاتهامات وتشققت دول وانفصلت مناطق عن السلطة المركزية كما في ليبيا واقتتلت اطراف كما في سوريا ومصر , وكأن النظام الرجعي كان ضامنا للامن اكثر من الانظمة المُنتخبة وكأن رجال الاحزاب الحاكمة اكثر حصافة من رجالات القوى التقدمية والثورية التي ادهشت الناس في قدرتها على تفكيك الانظمة ولم تنجح في ارضاء الناس بإعادة تركيب الدولة على اُسس ديمقراطية او شعبية .
يمكن ايجاد اسباب كثيرة لحدوث الخلاف ويمكن تبريره وحتى تفهمه لو كان الخلاف بين الشركاء على ارضية برامج سياسية واقتصادية , او كان على ارضية مصالحة وطنية مع السابق , لكن الخلاف كان لسبب مباغت لجميع الناس تقريبا وهو عدمية المعارضين وعدم امتلاكهم برامج لادارة احوال البلاد والعباد بعد يوم النصر او يوم سقوط النظام كما تجلّى ذلك في كل الساحات العربية التي اطاحت بأنظمتها السابقة .
تبعية الانظمة حقيقة ورعايتها للفساد والافساد كذلك , اما غياب المعارضة عن الادارة والبرامج فهي الحقيقة الجديدة التي يكتشفها المواطن العربي كل ساعة تقريبا , وهذا ما دفع قوى المعارضة السابقة او قوى الحكم الجديد الى الفشل والى الاحتراب الداخلي , فمفهوم الدولة ساقط في نظرياتهم ومفاهيم البناء غائبة تماما لصالح برامج النقد والهدم , لا احد قدم برنامجا موازيا لبرنامج الحكومات القائمة بل الجميع قادر على نقد البرنامج ونقضه , وجميع القوى السياسية احترفت المعارضة او امتهنتها دون برامج او رؤيا وهذا اضعف حتى وجودها داخل الاسوار الرسمية ورأينا كيف ان الوزراء القادمين من مقاعد المعارضة اكثر يمينية من المحافظين العاديين .
خلال لقاء نقاشي مع صديق قال جملة تستحق التوقف عندها طويلا وهي اقتطاف من حوار اجراه مع شخصية اسلامية معارضة , فقد قال الصديق وهو خبير استراتيجي وشخصية تحظى بثقة شعبية وسياسية للمعارض الاسلامي اكثر ما يُلفت في الاوراق الملكية انها جاءت كأوراق نقاشية في حين ان كل اوراق الاحزاب على اختلاف تلاوينها لم تحمل يوما كلمة نقاشية بل ظهرت كمسلمات او مانفستو للتطبيق وكأن الناس لا رأي لها , عند قوى المعارضة .
ابرز ما كشفه الربيع العربي اننا غائبون عن فهم الاختلاف بين المعارضة كوصف سياسي وبين لزوم ان تكون الكلمة مسبوقة بكلمة حزب او معارض اذا كان شخصا اي ان صفة المعارضة قابلة للازاحة او الانتقال الى جهة اخرى قد تكون هي الحاكمة او سبق لها الوصول الى الحكم , وهي تتطلب لكي تكون كذلك برامج واضحة فيكون الخلاف بين برنامجين وليس بين حزبين او شخصيتين احداهما في الحكم والاخرى خارجه .
ان تكون معارضا يعني انك تمتلك برنامجا بديلا او نقيضا للقائم وليس فقط ان ترفض القائم , وعلى وزارة التنمية السياسية وباقي مؤسسات المجتمع المدني والاحزاب السياسية ان تُعيد الاعتبار لمفهوم المعارضة وان نضع قاموسا سياسيا يحدد التعابير والتفاسير , لأن الاختلال في المفاهيم والتفاسير بات مرعبا ويؤسس لمرحلة استعصاء وطني وليس استعصاء سياسيا .
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو