الإثنين 2024-12-16 02:29 ص

اقتل ثم اقتل .. لم لا؟!

09:42 ص

يقتل أبناءه بدم بارد، بأن يدس لهم السم من دون أن يرف له جفن؛ متحللاً من كل شعور بالأبوة والمسؤولية تجاه فلذات أكباده الذين جلبهم هو نفسه إلى الدنيا!

هي الأخرى تجهز على أطفالها، بعد أن تخبرهم قبل يوم من تنفيذ الجريمة بنيتها قتلهم؛ فتزهق ثلاث أرواح، وتذهب خلف القضبان تاركة طفلتين أخريين تقاتلان على جبهات مفتوحة ضد العار والقهر.
18 ذكرا يقتلون شقيقاتهم، والمشجب جاهز: 'جريمة شرف' لأجل حفظ اسم العائلة، ولذلك سيحصل القتلة هنا على حكم مخفف، يتيحه القانون على طبق من ذهب.
في جرائم الشرف تحديدا، سمعتُ من قضاة عن كيفية تخطيط الأسرة لارتكاب الجريمة، وتكييفها باعتبارها 'جريمة شرف'، ليحصل القاتل على حكم مخفف بالسجن، ربما تنتهي مدته خلال فترة التحقيق.
آخر، يقتل صديقه؛ مسقطا من ذاكرته قدسية الأوقات الجميلة التي قضياها سوية؛ ثم يتخلص من جثمانه بدفنه في بقعة بعيدة. كل هذا لأجل حفنة دنانير.
غيره، تصيبه حالة عصبية على الإشارة الضوئية، لتأخره دقائق معدودة عن موعد 'مهم'؛ فيقرر معالجة غضبه بقتل سائق سيارة إلى جواره، ربما ناكفه، وعطل لحظته، لكن الانتقام منه يكون بإنهاء حياته إلى الأبد.
الشاب خرج إلى عمله. ولأنه سعى إلى تطبيق القانون، فقد جاءه الرد مدويا من كائن يرى نفسه فوق كل القوانين، حتى الطبيعية منها، فلا مكان إلا لقانونه الخاص الذي يعني إحالة ذاك الشاب إلى جثة هامدة، ملقاة في شارع مهجور، فلا يعثر عليها إلا بعد أيام من الجريمة.
شاب آخر رأى أن أفضل السبل لإراحة أعصابه يكون بقتل ابن عمه، ودفن جثته في بيت الدرج! فما الحاجة إلى الحوار والنقاش، طالما أن سكينا أو طلقة رصاص، لا يزيد سعرهما على دينار واحد، كفيلتان بـ'حل' المشكلة من جذورها!
أما ذاك الذي يرقص بالسلاح، فله قصة أخرى. إذ إن التعبير عن الفرح لا يكتمل عنده إلا بإطلاق عيارات نارية، تأخذ معها غالباً بضع أرواح، تقلب الأفراح إلى أتراح.
القتل صار خبرا مكرورا، ولا أقول عاديا. إذ لا يمضي يوم إلا ونسمع عن جريمة قتل؛ تنتشر في مختلف مناطق المملكة. كما أن مرتكبي الجرائم ينتمون للطبقات الاجتماعية المختلفة والمتفاوتة. فالقتل ليس حكرا على الفقراء أو الأغنياء؛ المتعلمين أو الأميين، بل صار الجميع يستسهل الفكرة، كحل سريع لمشكلة، فيما العقوبات مخففة في أغلب الأحيان، بداعي الشرف أو بفضل فنجان قهوة، فلا تزيد على ستة أشهر أو بضعة أعوام. فلماذا لا نقتل إذن، طالما أن القانون متساهل، والعقوبة مقدور عليها؟
رغم كل هذا القتل واستسهاله، تسمع أصواتا مغلّفة بمنطق العقل والمدنية، والإيمان بحقوق الإنسان، ترفض العودة إلى تطبيق عقوبة الإعدام؛ بدعوى أنها مخالفة لكل مواثيق حقوق الإنسان والأعراف المتبعة في زمن التحضر، وبحجة أن الإعدام لن يردع القاتل.
لكن هذا الفريق يتناسى في خضم رفضه للعقوبة، أن القتلة المجرمين قد أنهوا حياة أناس أبرياء، فلا أدري أي حقوق إنسان تُقصَد بالحديث هنا؛ أهي حقوق المجرم، أم حقوق الضحايا (وذويهم) الذين قضوا من دون ذنب؟!
حقوق الإنسان لا تنازل عنها، شريطة عدم التنازل عن حقوق مقابلها، تماما كما هو المعيار البدهي للتمتع بالحرية؛ فحريتك تنتهي عند حدود حريات الآخرين. وبالتالي، حتى يكون المعيار متزنا غير مختل لدى أصحاب الإنسانية الرفيعة والمرهفة، فإن عليهم أن لا ينسوا، وهم يدافعون عن حق الإنسان في العيش، تلك الأرواح التي تزهق يومياً؛ ولا أن يغمضوا عيونهم عن صور الجرائم البشعة التي تتم في وضح النهار!


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة