السبت 2024-12-14 22:30 م

الأردن وصورة الإسلام في بلجيكا

01:26 م




منذ الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها العاصمة البلجيكية بروكسل، في الأسبوع الأخير من شهر آذار (مارس) الماضي، والتي ذهب ضحيتها 31 شخصاً من 11 جنسية، لم يتقدم الخطاب السياسي أو الثقافي العربي، سواء الرسمي أو الأهلي، بخطوة جادة ومؤثرة على الأرض لمخاطبة الرأي العام البلجيكي، أو بأي محاولة لترميم صورة الإسلام والمسلمين التي مُست بعنف جراء تلك الهجمات السوداء.



زيارة الملك عبدالله الثاني إلى بروكسل، حيث خاطب الرأي العام المحلي والأوروبي، تعد العلامة الفارقة الوحيدة في المشهد، وتحديدا الكلمة التي ألقاها جلالته في جامعة لوفان الكاثوليكية، بحضور ملك بلجيكا وعدد من الأكاديميين والباحثين والمختصين في الشؤون الإسلامية، وطلبة الجامعة.


إذ قدمت هذه الكلمة رؤية جريئة عن موقف الإسلام من سلسلة من القضايا الشائكة المعاصرة. وكما هو معروف، لا يوجد مسؤول عربي يملك قدرة على مخاطبة الرأي العالم الغربي مثلما يفعل الملك عبدالله الثاني. لكن القيمة المعرفية تبدو في أن الأطروحات الخارجة من صلب الفكر الإسلامي التي قدمها الملك هذه المرة، كانت بمثابة المعادل الأخلاقي الموضوعي لكل ما ينسب للثقافة والحضارة الإسلامية بفعل الأزمة التاريخية التي يعيشها العالم الإسلامي المعاصر. وعلينا أن نعترف بأننا نعيش بالفعل أزمة حقيقية داخل الإسلام، أكثر من كونها أزمة بين الإسلام والآخرين. وعلينا الاعتراف أيضا أننا نعيش حربا داخل الإسلام، أكثر من كونها حربا على الإسلام.


يشكل المسلمون اليوم نحو 6 % من سكان بلجيكا، معظمهم من أصول مغاربية وتركية. وفي العام 1974، اعترفت الدولة بالإسلام كديانة رسمية في البلاد، وسمحت بإدخال التربية الإسلامية ضمن البرامج المدرسية لأبناء الجالية المسلمة، فضلا عن صرف الدولة رواتب الأئمة، وتحمل بعض من نفقات المساجد. هذا البلد الصغير الذي لا توجد له خبرات صراعية مع منطقتنا، ضُرب في العمق وتسلل إليه الإرهابيون من هذه القيم التي حمت التنوع الديني والعرقي ودافعت عنهما، ما أصاب البلجيكيين بجرح مؤلم، ضرب المركز العصبي لتلك القيم، الأمر الذي كان يفرض طمأنة هذا المجتمع بأن قيمه هي الأقرب إلى قيم الإسلام، وليس قيم الإرهاب والتطرف.


يقدم الملك كل عام سلسلة من الخطابات والأحاديث من على منابر عالمية مرموقة. ولا ندري كيف تتعامل مؤسسات الدولة، على اختلاف اختصاصاتها، مع هذه الرسائل القوية والمؤثرة الموجهة إلى الخارج، وهل تتم متابعتها. وإن تم، فكيف يحدث ذلك؛ هل هناك توثيق ومتابعة لردود الأفعال، سواء على مستوى وسائل الإعلام أو النخب الأكاديمية وقادة الرأي ومؤسسات التفكير؟ فالصوت الأردني هو الأكثر حضورا في المحافل الغربية، وهو الأكثر موثوقية لإعادة رسم صورة المشهد الإسلامي المعاصر. هل تابعت المؤسسات الأكاديمية هذا الجهد الملكي؟ وهل ثمة مبادرات للدبلوماسية الشعبية الأردنية في استئناف هذا الجهد، بالاشتباك مع نقاط محددة من الرأي العام الغربي؟ وهل يقوم نادي رؤساء الوزراء السابقين والنخب السياسية المتقاعدة بهذه المهمة التي حتما ستكون مجدية أكثر من صالونات النميمة السياسية ومن رئاسة الجاهات؟


نحن نخاف مما يحدث وينسب إلى الإسلام، أكثر مما يخاف الغرب منه. نخاف من هذه الأجيال الجديدة التي تغذي المذبحة بأجسادها؛ نخاف من فضاء الأوهام الذي يلفنا؛ نخاف من هذه الحرب التي لا تريد أن يموت العدو ولا تفرّخ إلا المزيد من الإرهابيين. لكن مصدر الخوف الحقيقي أننا ما نزال نرفض الاعتراف أن الأزمة الحقيقية داخل الإسلام وبين المسلمين، وأن الصورة الحقيقية للثقافة الإسلامية تتهشم.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة