الجمعة 2024-12-13 23:17 م

"الأضرار النفسية أشد وطئا على سكان غزة من الحرب نفسها"

01:31 ص

الوكيل - بالموازاة مع مشاهد الموت والإصابات اليومية تتصاعد أيضا التبعات النفسية التي تسببها المواجهة المستمرة بين إسرائيل وحماس. ممثل مؤسسة فريديريش ناومان في القدس يصف لـDWعربية حجم التأثير النفسي لهذه المواجهة على المدنيين.
تعج وسائل الإعلام بتقارير ومعلومات عن حجم الخسائر المادية والبشرية التي تخلفها الحرب المستمرة في غزة والتصعيد المستمر بين إسرائيل وحماس، لكن الأضرار النفسية لهذه الحرب المفتوحة لا تقل أهمية، بل تلعب دورا في زيادة حدة هذا التصعيد وقد تجعل أي حل مستقبلي عن طريق الحوار أمرا أكثر صعوبة.

سليمان أبوداية ممثل منظمة فريديريش ناومان الألمانية في القدس يعتبر أن الضغط النفسي الذي يعيشه المدنيون خصوصا في غزة أكبر من الخسائر الأخرى التي تخلفها الحرب نفسها، ويضيف في حوار أجرته معه DWعربية أن الأطفال هم الخاسر الأكبر في أي حرب مهما كان الطرف الذي ينتمون إليه، كما يعتبر الخبير الفلسطيني أن الحرب الحالية وما مهد لتصعيدها خلف موجة غير مسبوقة من الكره والعنصرية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.

وهذا نص الحوار:



DWعربية: كيف تتأثر الحياة اليومية لسكان غزة بالحرب؟



سليمان أبو داية: بصراحة ليست هناك إمكانية لتحديد كيفية إدارة الحياة اليومية في غزة، لأنه عمليا لا توجد إمكانية لإدارتها أصلا، فالقصف يستهدف كل المناطق و ينتقل من منطقة لأخرى من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب ويتجدد بسرعة وهذا ما يجعل الحياة المعيشية اليومية للناس معطلة، لأنه لا يمكن التحرك إذا أراد الإنسان أن يبقى سالما ولا يتعرض للقصف وبالتالي الموت أو الإصابة بجروح.

الحياة في غزة أصبحت غير طبيعية والضغط النفسي جراء ذلك وصل إلى حدود لا تطاق، أنا أتواصل مع مدنيين في غزة وأكثر ما يتعبهم هو الضغط المستمر جراء معاناة أطفالهم الذين يعيشون حالة من الرعب على مدى 24 ساعة. هذا الضغط النفسي الرهيب بالنسبة لهم أصعب من القصف نفسه بسبب الشعور بالعجز عن حماية أطفالهم الخائفين خاصة أنه لا توجد في غزة ملاجئ للحماية من القصف.

ماذا عن المناطق الإسرائيلية المستهدفة بصواريخ حماس؟

في إسرائيل إدارة الحياة اليومية أسهل بكثير خصوصا أن المجتمع والحكومة الإسرائيليتين يأخذان الاحتياطات المناسبة لحماية السكان. وهناك تفاوت بين المناطق الجنوبية المحيطة بغزة والمناطق الأبعد عنها، بمعنى أن الحياة في المناطق الشمالية كحيفا مثلا أسهل بكثير حيث يعيش السكان هناك في جو وكأنه لا يوجد توتر أصلا. وفي تل أبيب التي كنت فيها أمس لم ألاحظ تغييرا أو توترا في تصرفات وممارسات الناس اليومية، التوتر يبدو عند الحديث معهم. عدا ذلك فحياتهم عادية ولا يبدأ القلق سوى عند إطلاق صفارات الإنذار فيلجأ مئات الألوف إلى الملاجئ لدقائق وبعدها تعود الأمور إلى طبيعتها. لكن المناطق الإسرائيلية المجاورة لغزة تعيش طبعا ضغطا وتوترا أكبر لأن القصف من غزة يتم بشكل مستمر وكثيفا، لذا فالناس هناك مضطرون للبقاء في الملاجئ لوقت أطول ويعيشون خوفا وضغطا نفسيا أكبر.



كيف تسير عملية إسعاف المصابين في غزة؟



في ظروف صعبة للغاية، فهناك تدفق يومي للإصابات بسبب القصف، وتعاني مستشفيات غزة من خصاص ومشاكل في الأجهزة والمعدات الطبية. هناك أصلا ضغط مستمر على هذه المراكز بسبب وجود مرضى عاديين فيها، ولكن في هذه الظروف تعطى الأولوية للمصابين، كما أن ظروف عمل الأطباء والمسعفين خطيرة ، فقد حدث في بعض الأحيان أن قصفت سيارات الإسعاف أيضا. هذا بالإضافة إلى مشكلة نقص الماء والكهرباء وهو ما يعطل عمل الأجهزة في المستشفيات التي تعتمد على مولدات الكهرباء بشكل كبير.

40 طفلا قتلوا وآخرون أصيبوا أو فقدوا عائلاتهم، كيف تؤثر هذه الحرب على نفسية الأطفال ومستقبلهم؟

بصراحة وضع الأطفال هو الأصعب، لأن ما يحدث يؤثر على نفسيتهم على المدى الطويل. الكثير من الأطفال في غزة الآن يعيشون كوابيس دائمة ويتبولون بشكل لا إرادي من شدة الرعب الذي يعيشونه في حياتهم اليومية، كما أنهم يدخلون في حالات هستيرية ويفقدون السيطرة على أنفسهم. وبالإضافة إلى رقم 40 قتيلا، هناك أطفال مصابون بإصابات خطيرة لا يستطيعون معها العودة إلى حياتهم الطبيعية وسيتحولون إلى معاقين، ناهيك عن من فقد عائلته. الوضع طبعا غير قابل للمقارنة مع ما يشعر به الأطفال في إسرائيل، لكن الأطفال بشكل عام أكبر خاسر في هذه الحروب.

يصاحب الحرب الدائرة على الأرض حرب أخرى نفسية وإعلامية من الطرفين، إلى أي حد تزيد هذه الحرب حدة التصعيد؟



في تقديري هذه من آليات المواجهة العسكرية ويتم استخدامها بشكل فعال خاصة من طرف إسرائيل لكونها تتمتع بقدرات تكنولوجية وفنية أكثر تطورا من تلك الموجودة في غزة، فقد قامت السلطات الإسرائيلية بإرسال رسائل نصية قصيرة إلى هواتف سكان غزة واستخدمت منشورات لتحثهم على إخلاء منازلهم وهذا ما يفرض عليهم ضغطا نفسيا رهيبا ومضاعفا فالتنقل في غزة ليس سهلا كما أن هؤلاء لا يعرفون أين يذهبون ولا يستطيعون ترك بيوتهم.

كيف تقيم معنويات الطرفين بعد مرور 10 أيام على بدء المواجهة؟





سأقولها بصراحة، رغم كل شيء المعنويات مرتفعة عند الطرفين لأن كل واحد يعتقد أنه قادر على الاستمرار في المواجهة لمدة أطول. في غزة يعتبر السكان أنه لم يعد هناك ما يخسرونه أكثر مما خسروه حتى الآن خاصة أن الوضع في مدينتهم كان صعبا حتى قبل بدء الهجوم الإسرائيلي بسبب الحصار، لذا فهناك فئة كبيرة تعتبر أن المقاومة هي بمثابة الحرب الأخيرة ضد إسرائيل لإثبات الذات. في الجانب الإسرائيلي لاحظت أيضا أن المعنويات مرتفعة رغم الضغط النفسي الذي يعيشه السكان في بعض المناطق، ولكن هناك من الطرفين أصوات نقدية تفكر بعمق في أبعاد هذه المواجهة، تدعو لوقف القتال واللجوء إلى الحل السياسي، إلا أن هذه الاصوات لا تؤثر على قرارات القيادات السياسية سواء في غزة أو في إسرائيل.

إلى أي حد تعمق هذه الحرب باعتقادك الكراهية ورفض الآخر من الطرفين؟



باعتقادي نحن انتقلنا إلى مرحلة جديدة وخطيرة من الحقد ورفض الآخر والعنصرية لم نعرفها من قبل خصوصا بعد اختطاف وقتل المستوطنين الإسرائيليين الثلاثة ثم بعدها اختطاف وقتل الصبي الفلسطيني بطريقة بشعة. وعلى المسؤولين السياسيين أن يدركوا أن كل مواجهة من هذا النوع لا تقوم سوى بتعميق هذه الجروح بشكل يضر شعبين بكاملهما. يجب أن ينتبهوا إلى تبعات ذلك على نفسية الشعبين لأن ما يحدث الآن قد يعيق مستقبلا أي فرصة للصلح أو السلام بين الطرفين.


المصدر : DW


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة