السبت 2024-12-14 20:20 م

الإدارة الارتجالية للإعلام الحكومي كبدت الاقتصاد الوطني مليارات الدنانير

12:22 ص

الوكيل - عندما يخرج محافظ البنك الفيدرالي الأمريكي أو محافظ البنك المركزي الأوروبي إلى الإعلام، تبدأ الأسواق المالية بالتخبط بانتظار أية كلمة أو إيحاء أو حركة تساعدها على خط مسارها للأيام المقبلة.

لذلك، يعلم المطلعون على الاقتصاد العالمي ما يبذل من جهود لتحضير كلمات المسؤولين الموجهة للإعلام خصوصا عندما تتعلق الفحوى بالاقتصاد وأسواق المال.
ذلك أن أية كلمة أو إشارة في غير محلها قد ترتب خسائر هائلة على المستثمرين والمقترضين والموظفين وغيرهم من أصحاب العلاقات المباشرة وغير المباشرة بالاقتصاد.
في الأردن، كانت تصريحات المسؤولين تاريخيا تمر مرور الكرام من دون تأثير مباشر في الأسواق والاقتصاد، مما سبب تراخيا متراكما في إدارة ملف الإعلام الاقتصادي لدى الحكومات المتعاقبة.
في ذات الوقت الذي أهمل فيه هذا الملف رسميا، كانت أهميته تتضاعف عبر الوقت جاعلة منه المؤثر الأول في المؤشرات الاقتصادية الرئيسية مثل الاحتياطات الأجنبية وأسعار الفوائد على الودائع والقروض.
بروز ملف الإعلام الاقتصادي في المقدمة يعود لأسباب أهمها ثورة المعلومات والاتصالات وتزايد الوعي الاقتصادي لدى الأردنيين.
فقد أضحت المعلومة الاقتصادية متوفرة بسهولة وبشكل دوري أو فوري من خلال المواقع الإلكترونية للهيئات الرسمية أو المواقع الإلكترونية للصحف ووكالات الأنباء.
من جهة أخرى، ارتفع منسوب الوعي الاقتصادي لدى الأردنيين بعد سلسلة من الأحداث الاقتصادية المؤسفة مثل أزمة البورصات ودورة التباطؤ الاقتصادي التي يعيشها الأردن من سنوات.
هذا الوعي الاقتصادي المتسارع يهدف بالدرجة الأولى إلى تجنب الخسائر كالتي تكبدها الأردنيون في أعقاب أزمة البورصات، وانتهاز الفرص كتلك التي مرت على المملكة في أعقاب اللجوء العراقي وما تبعه من فورة في أسواق الأسهم و العقار.
يعود الفضل في إعادة تسليط الضوء بشكل مكثف على الإعلام الاقتصادي من جديد إلى الحكومة الحالية ورئيسها بشكل خاص.
فقد سبب التعامل الإعلامي لرئيس الوزراء مع قضية رفع الدعم عن المحروقات خسائر اقتصادية أبلغ بكثير من الفوائد المتحققة من القرار نفسه.
النتائج ببساطة جاءت على شكل انخفاض في احتياطات البنك المركزي بحوالي 2 مليار دولار، وارتفاع مقابل في الفائدة على المقترضين بحوالي 0.50 بالمئة أو ما يمكن تقديره بأكثر من 100 مليون دينار سنويا.
هذا بالإضافة إلى ما لا يمكن قياسه من خسائر نشأت عن هروب الاستثمارات وتراجع حركة السياحية نتيجة الوصف الإعلامي الارتجالي للحالة الاقتصادية في الأردن.
لا أدري إذا كان رئيس الوزراء لا يزال مقتنعا فعلا بالربط الذي استخدمه بين قيمة الدينار وقرار رفع الدعم عن المحروقات، رغم ما أدلى به معظم الاقتصاديين من نفي لهذه العلاقة من أساسها.
ولكن المؤكد، أن تحويلات الأردنيين من الدينار إلى الدولار نتيجة هذا الربط على شاشات الإعلام قد خفضت احتياطات العملة الصعبة بأكثر مما ورد إلى المملكة من مساعدات و قروض ادعى رئيس الوزراء عدم ورودها لولا اتخاذ القرار.
فمليارات الخليج وقروض صندوق النقد لم تكف لتعويض ما طرأ على الاحتياطات من انخفاض نتيجة التحويلات التي أعقبت التصريحات الرسمية.
الهدف من المثال السابق ليس لوم رئيس الوزراء بشكل مباشر ولا محاسبة الحكومة على الخسائر الاقتصادية التي أعقبت التصريحات، إنما توضيح ما للإعلام الاقتصادي من أهمية توجب على الحكومة إدارة هذا الملف بمزيد من الحصافة والتنظيم.
من هذا المنطلق، يمكن اقتراح مدونة حكومية تنظم الملف الإعلامي المتعلق بالقضايا الاقتصادية لتقوم على تحديد واضح لصلاحيات التصريح الاقتصادي ونطاقه بالشكل الذي يكفل إيصال الرسالة الصحيحة لجمهور المستثمرين والمستهلكين والمقترضين.
أسئلة كثيرة يجب أن تجيب عليها المدونة المقترحة وفي مقدمتها: من هو المخول بالتصريح عن الدينار؟ ومن هو المخول بالتصريح عن العجز؟ ومن هو المخول بالتصريح عن السوق المالي؟ وما هي الأطراف الواجب استشارتها في مختلف المواضيع المنوي التصريح حولها؟
إلى أن يتم إعداد هذه المدونة، أقترح على الحكومة تبني نهج البنك المركزي في التعامل مع الإعلام على المستوى الاقتصادي، وذلك من خلال استشارة الأطراف ذات التماس المباشر والتمحيص والتدقيق في المادة الإعلامية قبل الخروج بها بشكل رسمي إلى وسائل الإعلام.
أما استمرار النهج الرسمي الارتجالي في إدارة ملف الإعلام الاقتصادي فلن يولد إلا مزيدا من الكلف الاقتصادية المرتفعة و تعظيما لحالة اللايقين التي يعيشها الاقتصاد اليوم.


العرب اليوم


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة