الخميس 2024-12-12 02:28 ص

الإنجليزيّة .. لماذا يفشل معظم طلبتنا في تعلّمها ؟

10:39 ص

الوكيل - قرأنا في وسائل الإعلام مؤخّرا أنّ الحكومة على وشك تغيير المناهج المدرسيّة, بما في ذلك منهاج اللغة الإنجليزيّة, وأجد في هذا مناسبة للتعبير عن بعض الأفكار المتعلّقة بهذا الموضوع بناء على خبرتي في محال تعليم اللغة الإنجليزيّة.


ولا بدّ في البداية من الاعتراف بأنّ مناهجنا السابقة التي خضعت للتتغيير كلّ بضع سنوات, لم تفلح في تحقيق الأهداف التي كانت ترصدها المناهج, والتي على رأسها أن يستطيع الطالب في نهاية المرحلة الثانوية التحدّث باللغة الإنجليزيّة بطلاقة, والتعبير عن أفكاره وعواطفه بلغة سليمة,وأنْ يستوعب ما يقرأ أوْ بمستوى لا يقلّ عما هو مطلوب باللغة العربيّة. ولكن بالرغم من التّغيير المتلاحق لمنهاج اللغة الإنجليزيّة, هل وجدت وزارة التربية والتعليم, او احسّ الناس بتحسن في مستوى طلابهم باللغة الإنجليزية, نتيجة لسلسلة التّغييرات هذه؟ لنسأل أساتذة الجامعات, ولا بدّ انهم سيعطون الإجابة الصحيحة, بخاصّة من يدرسون موادّ باللغة الإنجليزيّة!

ولا بدّ هنا أنّ أشير إلى أنّ هذا الكلام ينطبق فقط على خرّيجي المدارس الحكوميّة ومدارس الوكالة, الذين هم نتاجات المنهاج الأردني فقط ,أمّا طلاب المدارس الخاصّة الذين يعتمدون على مناهج مختلفة ولهم ظروف مختلفة كلّيّا عمّا عليه الحال في المدارس الحكوميّة فقد لا ينطبق عليهم هذا الكلام. وسأحاول في ما يلي تقديم بعض الملاحظات عن المناهج القديمة أو الحاليّة التي يمكن أنْ تكون سببا في عدم تحقيق الأهداف المرصودة, ومن ثمّ تقديم بعض الاقتراحات لتصميم منهاج يمكن أن يكون أنسب لطلاّبنا. وساتناول في هذه المقالة طبيعة الأهداف المرصودة, والأسلوب أو الطريقة المتّبعة في التدريس.

واقعيّة الأهداف
إذا أردنا أن تكون مناهجنا ناجحة لا بدّ أن تكون مفصّلة على مقاس طلاّبنا, آخذة بالاعتبار حاجتهم ومجال اهتماماتهم, ليس فقط بتقديم المادّة من خلال محتوى مثير لاهتماماتهم الخاصّة, وإنما أيضا أنّ تكون الأهداف هي فعلا ما يهمّهم تحقيقه, وهذا لا يتاتّى إلا إذا رسمنا خارطة بالواقع اللغوي في مجتمعنا. وبعبارة أخرى فإنّ السؤال الذي يجب أن يضعه مصمّمو المنهاج الجديد نصب أعينهم ويعيدوا النظر في ما يتعلّق به هو: هل طلابنا بحاجة لإتقان المهارات اللغوية: ( المحادثة والقراءة, والاستماع والكتابة) بنفس الدرجة بحيث نعطيها نفس الوزن في الحصّة المدرسيّة؟ في الواقع من شبه المستحيل أن يتمّ ذلك, ولذلك لا بدّ أن نرتّب ذلك حسب الأولويات, وهذا يتمّ من خلال دراسة واقع حاجاتنا للغة الإنجليزية,
وهناك أمران مهمّان هما ما سأتناوله في هذه المقالة: هل الأهداف المرصودة عادة في المناهج تلبّي حاجات الطلاب في مراحلهم العمريّة المختلفة؟ إنّ المهارت التي تسعى مناهج اللغة الإنجليزيّة لتحقيقها حسب نص المنهاج هي المحادثة والقراءة والكتابة والإصغاء , مع تركيز في المناهج على المحادثة والإصغاء, فهل هذا التوجّه له ما يبرّره على أرض الواقع؟

التركيز على المحادثة
عند تصميم المنهاج يحب ألا ننسى أنّنا ندرّس اللغة الانحليزيّة ليس لتكون لغة ثانية للتخاطب بين أفراد المجتمع, وإنّما كلغة أجنبيّة نستعملها عند الحاجة, وبناء على ذلك تكون الأولويّات التي نركز عليها في المنهاج . إنّّ الفرصة الوحيدة لممارسة الطلاب التحدّث باللغة الإنجليزيّة هي الحصّة المدرسيّة, وبناء المنهاج وكأنّ اللغة الإنجليزيّة ستصبح اللغة الثانية مصيره الفشل كما تشير النتائج , لأنّه لاحوافز تذكر عند الطلاب لتملّك مثل هذه المهارة, هل نتوقّع من الطالب العاديّ أنْ يبدي اهتماما بتعلّم ما لايحسّ أنّه بحاجة ليستعمله في المستقبل؟ كم هي المواقف الحياتيّة التي سيحتاج فيها الطفل للتحدّث باللغة الإنجليزيّة حتّى بعد التخرّج؟ إنّ معظمهم سيضعون ما تعلّموه من لغة المحادثة جانبا بمجردّ انتهاء الحصّة. ولذلك سوف لا يكون من الحكمة التركيز على مهارة المحادثة بخاصّة في المراحل الأولى حيث تشعل المحادثة معظم وقت الحصّة.
هناك أمر آخر يجب أخذه بعين الاعتبار إذا أردنا أن نعطي المحادثة هذه الأهمّيّة, وهو أنّ تحقيق مثل هذا الهدف يتطلّب إتقان المعلّم نفسه لهذه المهارة, وهذا غير متوفّر في الواقع الحالي, إنّ عدم إعطاء الأولويّة للمحادثة في المنهاج لا يعني عدم إعطاء الفرصة للطلاب للتكلّم باللغة الإنجليزيّة في مجالات معرفيّة مختلفة, فهذا أمر من الضروري ان يأخذ جانبا مهمّا من الحصّة, ولكن التركيز على تعليم العبارات والمفردات المستعملة في المواقف الآجتماعيّة المختلفة يجب الا يكون على حساب تعلّم المهارات الأخرى الأكثر اهمّّيّة كالقراءة والاستماع التي يمكن ان يمارسها خارج الحصّة المدرسيّة.

منهجيات الاستماع
يجب أن يكون لتنمية مهارة الاستماع أهمّّية خاصّة إذا ما أردنا لأطفالنا النجاح في تعلّم اللغة الإنجليزيّة : لقد سبق وقلنا أنّ الأطفال سوف لا يمارسون لغة التخاطب باللغة االإنجليزيّة’, ولذلك يفتقدون الحوافز لتعلّمها لأنّها لا تثير اهتمامهم, ولكن مهارة الأصغاء تشكّل أهمّيّة خاصّة, فالأطفال في مختلف سنين حياتهم, شئنا ام أبينا, يشاهدون ألأفلام والبرامج الإنجليزيّة على التلفاز, بلهفة محاولين فهم أكبر قدر ممكن, كم يجب ان لاننسى مدى استمتاعهم للأغاني الإنجليزيّة, ونلاحظ في الأسواق كيف تتنافس محلاّت الموسيقى والأغاني في عرض أحدث الأغاني الإنجليزيّة.
نحن نعرف أنذ المناهج القديمة لم تهمل مهارة الإصغاء, ولكنّ المشكلة في أنّ مضمون ما عليهم الإصغاء إليه لا يمتّ لاهتماماتهم بصلة. ما الخطأ في أن نستغلّ الأغاني الإنجليزيّة وبعض أفلام الفيديو ذات الموضوع المناسب ليكون محورا لموضوع الدرس نقدّم من خلالها التراكيب والمفردات التي تساعدهم على فهم موضوع الأغنية أو الفيديو؟ ولن انسى تلك المجموعة من المعلمات وبعض المعلمين الذين جعلوا من درس اللغة الإنجليزيّة أحب الدروس إلى طلابهم بحسن اختيارهم مواد تعليميّة ضمن اهتمامات الطلاب الواقعية, مفضّلينها على الموادّ التي يحاول ان يفرضها المنهاج عليهم. إذا أردنا أن ينجح طلابنا في تغلّم اللغة الإنجليزيّة, دعنا نقدّم لهم ما يريدون.

مهارة القراءة
إنّ القراءة هي المهارة المظلومة في مناهج اللغة الإنجليزية الحاليّة, فمعظم الوقت المخصص لحصّة اللغة الإنجليزيّة يذهب للمحادثة والأسئلة والأجوبة على حساب القراءة والكتابة, مع أنّ القراءة يجب ان تكون في القمّة في ترتيب الأولويّات. قد لا يحتاج الإنسان منا أن يتحدّث باللغة الإنجليزيّة, أو يستغني عن الاستماع إليها, ولكن لا بدّ من ان يكون قد تملك مهارة القراءة بشكل جيد بمستويات مختلفة على مدى سنين الدراسة, فهو يحتاجها على مقاعد الدراسة للاستمتاع بقراءة قصّة ما, ويحتاج القراءة لقراءة مرجع ما متّصل بموضوع الدراسة لتوسيع مداركه وبخاصّة أثناء الدراسة الجامعيّة, ولا ننسى أنّ الكتب بالعربيّة قد لا تكون متوفّرة , وقد يكون المرجع الرئيسي باللغة الإنجليزيّة, ولا ننسى أنّه في مجالات الحياة العاديّة, الإنسان ملزم لمتابعة المعرفة في مختلف مجالات الحياة العمليّة, بخاصّة في استعمال الشبكة العنكبوتيّة, ليجد اجوبة لتساؤلاته في مجاله. ومن هذا يظهر أهمّة تطوير القدرات القرائيّة حتى ولو كان ذلك على حساب المهارات الأخرى.
ويجب ان لا ننسى اهمّية اختيار المواضيع المناسبة المثيرة لاهتمام الطالب حتّى تكون دافعا له لمتابعة القراءة.

حصص الكتابة
قد تكون مهارة الكتابة في أسفل قائمة الأولويّات التعليميّة من حيث الحاجة إليها في حياة الطالب العاديّة, وأهمّيتها الخاصّة تكون في مجالات محدّدة ولوظائف معيّنة, ودورها الأساسي كموضوع دراسيّ يكمن في كونها وسيلة داعمة للمهارات الأخرى. ويجب ان لا يفهم من هذا الكلام إهمال هذه المهارة, فمن الضروري إتقان الطالب للمهارات الأساسيّة واستعمال التراكيب الأساسيّة والمفردات الصحيحة, أي التركيز على اساسيّات اللغة, وليس الكتابة الإنشائيّة . والواقع أنّ مهارات الكتابة الإنشائيّة هي واحدة في أيّ لغة , ومن لا يجد الأفكار المناسبة لكتابة موضوع إنشائيّ معبّر بلغته الأصليّة لا يستطيع كتابة موضوع إنشائيّ بلغة أخرى. وفي المدرسة, بخاصّة في الصفوف الأولى يجب أنْ تكون الأولويّة لتعلّم مختلف التراكيب اللغويّة والمفردات الأساسيّة.

دور الترجمة
إنّ تخصيص وقت من حصص اللغة الإنجليزيّة للترجمة أمر مهمّ في المنهج القرائي وهو معمول به في بعض الدول العربيّة, فهو ينمّي قدرة الطلاب على التعبير باللغة الأجنبيّة, ويدعم ما يتعلّمونه من تراكيب في اللغة الإنجليزيّة, أي أن يكون هناك منهاج للترجمة موازيا لما يتعلّمونه في المراحل الأخيرة من سنوات الدراسة, والذين يمكن ان يعترضوا على ذلك يدّعون انّ ذلك سيؤدي إلى عدم الطلاقة في التحدّث باللغة الأجنبية. إن من يفترضون ان الطلاب إذا تعلّموا بالطريقة التواصليّة سوف لا يلجأون للترجمة واهمون, ويكفي الرجوع إلى كتبهم لاكتشاف الكمّ الهائل من الكلمات العربيّة.
ويفضّل أن يكون النّص العربيّ غير منظور بخاصّة في الصفوف الأولى, حيث يسمع الطالب الجملة العربيّة, أو نصّا قصيرا فيه حفز للطالب لاستعمال تراكيب معيّنة مستهدفة, أي تزويد الطالب بالفكرة ليقوم بالتعبير عنها باللغة الإنجليزيّة.

( اختيار المحتوى)
من المهمّ جدّا أنْ يكون الموضوع المحوريّ الذي تقدّم من خلاله الأهداف اللغويّة مثيرا لاهتمام الطلاب حسب فئاتهم العمريّة, والمقصود بأهمّيّة موضوع المحتوي, ليس من وجهة نظر واضعي المنهاج, ولكن من وجهة نظر الأطفال أنفسهم, فعند تعليم اللغة الأجنبيّة, من المهمّ جدّا أنْ يكون المحتوى مثيرا لحفز الطلاب على متابعته, فهناك مواضيع دراسيّة أخرى لتحقيق الأهداف التربويّة الأخرى التي في ذهن مصمّمي المنهاج, ويجب أن لا يفهم من هذا أنّه لامكان للأهداف التربويّة في مناهج اللغة الإنجليزيّة, فكثير من المواضيع مثيرة لاهتمام الطفل, وتحقق اهدافا تربويّة في الوقت نفسه.
وهناك من التربويّين من يقترح أن تشتمل النّصوص القرائيّة نصوصا لمواضيع منهجيّة كالتاريخ والجعرافيا والعلوم مقدّمة بطريقة مثيرة للاهتمام, تكون موازية وداعمة للمنهاج في المواضيع الأخرى في مضمونها, ممّا قد يشكّل حافزا إضافيّا للقراءة عند الطلاب.

طرق التدريس
من الواضح مما سبق أنّ المنحى التّواصلي الذي يعتبر المحادثة هي الأساس الذي يقودنا لبناء المهارات اللغويّة سوف لا يكون مناسبا إذا اردنا أن نخلق طلابا قادرين على القراءة والفهم, وأنّ خلق طلاب قادرين على التواصل والخوض في مواضيع اجتماعية هدف صعب المنال أثناء وجودهم في المدرسة, والبديل المقترح هو الطريقة القرائيّة التي تعتمد النّصّ القرائي المثير لاهتمام الأطفال والتي يتعلّمها الأطفال من خلال التراكيب اللغويّة والمفردات التي تساعدهم لفهم النصوص القرائيّة, ويتمّ بذلك بناء المهارات الأساسيّة خطوة خطوة , مع إتاحة الفرصة للطالب لقراءة أكبر عدد ممكن من النصوص التي يمكن ان يستمتع بقراءتها. ويمكن أن نفرد لمهارات المحادثة مجالا اكبر في الصّفوف اللاحقة, أو ليكون تعلّمها حسب الحاجة والاختصاص بعد التخرّج من المدرسة, ولن يكون ذلك صعبا بعد أن يكون الطالب قد تملّك مهارات اللغة الأساسيّة.
ومن إيجابيات هذا المنهج ضمان تعلّم الأطفال لتراكيب ومفردات اللغة أي بنى اللغة الأساسيّة التي يمكن التدرج فيها حسب حاجات الطلاب القرائيّة. أضف الى ذلك أن المنحى القرائي في تعليم اللغة الإنجليزية كلغة أجنبيّة هو الأنسب لظروفنا التعليميّة والأسهل على معلّمينا في تنفيذه.

خبير تدريس اللغة الإنجليزيّة في رئاسة وكالة الغوث «سابقا»

د. ابراهيم نوفل


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة