الوكيل - يعد كتاب ريتشارد ميتشل ‘جماعة الاخوان المسلمين’، من الكتب الاولى بالانكليزية الشاملة التي قدمت رحلة الجماعة وتطورها من تنظيم احيائي صغير ولد في الاسماعيلية الى لاعب مهم في الحياة السياسية. وكتب ميتشل ‘في 23 يوليو 1952 احتفل الاخوان المسلمون مع بقية المصريين بميلاد عهد جديد، وبعد 29 شهرا مات ستة من اعضائها على حبال المشانق، ودمر التنظيم بشكل يصعب اصلاحه’.
نستعيد هذه الكلمات اليوم ووضع حركة الاخوان المسلمين بعد عزل الرئيس مرسي في 3 من تموز (يوليو) 2013 على المحك، ومسارها محل تساؤل ورحلتها التي قطعتها بسرعة الضوء خلال العامين الماضيين من حركة محظورة طوال عهد حكم الضباط الاحرار الى جمعية وحزب سياسي صعد وتسيد الحياة السياسية وان لفترة قصيرة محل تحليل وقراءة اكثر من تلك العلاقة الغامضة والمتجادلة بين تاريخين، التاريخ الرسمي للضباط الاحرار والرواية الرسمية للاخوان المسلمين للمواجهة معهم والتي عادة ما ظللت بظلال من المحنة وادب السجون. لكن تلك المرحلة الفارقة في تاريخ الاخوان المسلمين ومواجهتهم مع النظام ليست بعيدة عن المواجهة الاخيرة، ليس في الظروف ولكن في طبيعة اللاعبين والخيارات التي اختارتها الجماعة. وسيظل الباحثون يتساءلون عن السر الذي دفع بقادة الحركة الى التراجع عن تعهداتهم الاولى بعد ثورة 25 يناير 2011 بأن لا يرشحوا رئيسا وان لا يسيطروا على البرلمان المصري. فقد حنث الاخوان المسلمون بكل ما وعدوا به في نشوة الثورة والانتصار على النظام الديكتاتوري الذي مانعوه وقاتلوه وعاشوا قي ظله مدة ثلاثين عاما. وانتهى الاخوان المسلمون الفائزون في كل شيء الى مواجهة جديدة خسروا فيها تقريبا كل شيء، فتسلسل الاحداث الاخيرة ربما كان نتاجا لنجاحهم السريع او ثمنا لخياراتهم وسوء تقديرهم، ولاعتقادهم انهم كانوا يحكمون مصر ولم يحكموا في ظل سيادة المؤسسة العسكرية وتغول ‘الدولة العميقة’ التي عملت كل جهدها من اجل احباط كل خطوة يخطوها الرئيس محمد مرسي، مستخدمة الجيش مرة والجهاز القضائي مرات، ومعها الاعلام الذي لم يتوقف مرة عن الشتم والفضح والقذف.
مرجعيات ثلاث
وكلما تقدم الاخوان المسلمون لقمة الجبل كلما تساقط من حولهم من وقفوا بجانبهم ودعموهم، لانهم خافوا من استئثارهم بالسلطة. وبالمحصلة لم يكن الاخوان بقادرين على تجاوز الجيش والحكم وتحقيق آمال الثورة ولم يستطيعوا تطمين القطاعات الاخرى ومكونات المشهد السياسي المصري، حيث كان البعض مؤيدا ومتعاطفا مع الاخوان ايام القمع، وبعضها متعجلا لتحقيق منجزات الثورة. يظل هذا الحديث وان شئت التحليل قاصرا ولا يلبي المعايير الاكاديمية، فهو قاصر لان الادلة الكافية ليست لمعرفة ما جرى في داخل قيادة الاخوان من مداولات حول طبيعة مشاركتها السياسية وعلاقتها بمشهد مصر ما بعد الثورة. صحيح ان الاخوان خرجوا بعد نهاية حكم مبارك، واسسوا حزبا لهم ‘الحرية والعدالة’ واصبحوا يعملون بشكل واضح، لكن ولادة الحزب السياسي ادت الى نشوء مرجعية جديدة عقدت من طبيعة العلاقة، فالحزب السياسي بتكوينه مفتوح للجميع، سواء كانوا من الاخوان وغيرالاخوان، مع ان حزب ‘الحرية والعدالة’ في شكله وعدد مؤسسيه ظل يصدر عن الاخوان. وزادت مرجعية اخوانية ثالثة ممثلة بالرئاسة التي قادها محمد مرسي. وعليه فنحن امام ثلاثة كيانات كل واحد منها مرتبط بجهة معينة في المشهد السياسي المصري، فالجماعة منظمة ومنضبطة ويظل افرادها مسؤولين امام مكتب الارشاد والمرشد وتعليماته،اما الحزب فعمله منضبط بالاسس التي تقوم عليها الاحزاب والعملية السياسية المصرية، اما مرسي فقد انتخب ليكون ممثلا لكل المصريين لا الاخوان. والشبهة التي عزل عليها انه فشل في تمثيل كل المصريين واصبح تابعا للمرشد، ومن هنا كانت شعارات المعارضين له ‘يسقط يسقط حكم المرشد’ او الاخوان ولكن ليس مرسي. ولا نعرف في هذا الوقت الطريقة التي نسقت هذه الكيانات فيما بينها لكننا نعرف ان ما حدث كان انقلابا على هذه الكيانات الثلاثة. ونفهم ان ما حدث هو نتيجة طبيعية وحتمية ادى الى تصادم مصالح هذه المؤسسات الثلاث، والى الطريقة التي تعامل فيها الاخوان المسلمون مع ‘الفرصة’ التاريخية التي حانت لهم لقيادة مصر، فمع ان انتخاب محمد مرسي عام 2012 كان حدثا تاريخيا بكل المقاييس ذلك ان المصريين ولاول مرة ومنذ طويل انتخبوا رئيسهم وبحرية ونزاهة الا ان الاكمة كان وراءها الكثير الذي ينتظر مرسي وجماعته، فلم يكن الرئيس المعزول بقادر على مواجهة المؤسسة العسكرية، ولا التحرك لتقييد ميزانيتها او تقييد مزاياها، ولم يكن شجاعا بما فيه الكفاية لكي يقدم قادة الامن ممن اتهموا بانتهاكات ضد المتظاهرين اثناء ثورة يناير 2011. ولعل هذا العجز في الاخذ على يد المؤسسة العسكرية والمسؤولين من العهد البائد ممن ظلوا في السلطة كان وراء النهاية التي حصلت، يضاف الى ذلك فقد همش مرسي والاخوان معه القطاعات التي كانت يمكن ان تدعمه، من خلال قرارات وكوميديا من الاخطاء المتكررة. وعلينا ان نتذكر الاعلان الدستوري الذي ندم مرسي عليه، وكتابة الدستور حيث كان معظم افراد اللجنة الذين اشرفوا عليه من الاسلاميين. ويضاف الى هذا عدم تحرر مرسي من دائرة الاسلاميين والتحرك والعمل مع القطاعات المدنية والليبرالية والعلمانية الاخرى، بشكل يجعله ‘رئيسا لكل المصريين’.
قصة مرسي
وفي قصة عام مرسي في الحكم ونهايته الدرامية قصة الاخوان منذ نشأتها عام 1928 ومحنها التي مرت فيها ان في العهد الملكي او العهد الجمهوري وحتى الثورة. فقد ظلت حركة الاخوان وطوال العقود الماضية الحركة الاكثر تنظيما وضبطا مقارنة بالحركات السياسية، الليبرالية والعلمانية الاخرى في مصر. وقد اعطاها الجمع بين العمل العام- السياسي والاجتماعي القدرة على استدعاء كوادرها وتحشيدهم في الوقت المناسب. اضافة الى ذلك فقد ظل وجود حركة الاخوان المسلمين وموقعها في المشهد المصري منذ قرار حظرها في الخمسينات من القرن الماضي’ملتبسا’، فهي موجودة وغير موجودة، محظورة قانونيا ولكنها تعمل ضمن القانون وافرادها ممثلون في الهيئات البرلمانية والنقابية. وكان هذا الوضع بمثابة نقطة القوة والضعف للحركة التي ظلت مترددة بالتحول الى كيان سياسي او حزب يحرمها من مزايا الوضع الذي عاشته طوال الفترة الماضية. مع ان فكرة الحزب طرحت في اثناء ولاية المرشد الثالث عمر التلمساني الذي يعتبر من اهم واقدر القادة الذين قادوا الحركة مرونة وتقديرا للوضع السياسي اذ استطاع قيادة سفينة الاخوان في وضع قلق. ولا بد من الاشارة في هذا السياق الى ان قدرة الاخوان على التحشيد والفوز في الانتخابات لا تعني انهم كانوا مؤهلين ولديهم المعرفة والقدرة على حكم مصر لوحدهم. ومن هنا وباستعادة المشهد الدرامي في يونيو الماضي، فقد كان التحدي الاكبر امام الاخوان ومنذ انتخاب مرسي، اظهار قدرتهم وكفاءتهم على الحكم خاصة في قطاع الاقتصاد. وقد يكون واحدا من مقاتلهم او فشل حكومة مرسي انهم لم يكونوا قادرين على تحسين الاوضاع المعيشية للسكان، اما لعجزهم او بسبب تآمر الدولة العميقة عليهم. واضيف الى هذا العجز فشل اخر وهو عدم قدرة الاخوان المسلمين وطوال العام الذي حكموه على بناء اجماع وطني وتطمين القطاعات المعادية لهم بانهم لا يطمحون لبناء نظام اسلامي او تطبيق الشريعة. فمع ان خطاب الاخوان حدث عليه ‘تطور’ نوعي من ناحية الموقف من الحريات العامة، حقوق الانسان والمرأة الا ان رؤية الاخوان او قادتهم ظلت تتسم بالغموض، فهم وان التزموا بالثوابت المصرية او الخطاب ذي المرجعية الاسلامية الا انهم ظلوا يقدمون خطابا متناقضا، ربما نتج عن تعدد الرؤى داخل الحركة او غياب الرؤية الواضحة لمستقبل البلاد. فقد ظل موقف الاخوان من تطبيق الشريعة والدولة الدينية وطوال فترة مبارك محل تجادل مع القوى العلمانية. وعلى الرغم من بروز جيل وسط او اصلاحي داخل الحركة الا ان التيار المحافظ والذي يحكم السيطرة على الاخوان ومنذ ‘محنة’ الاخوان الا هذا الجيل الوسطي لم يكن قادرا على تقديم رؤيته وتوسيع رؤيتها داخل قواعد الاخوان. وقد طرح هذا الجيل الذي برز في حقبة الثمانينات من القرن الماضي، وبتأثير من كتاب اسلاميين مستقلين اسئلة محرجة على القيادة وتساءل عن طريقة ادارة الحركة ورؤيتها وطالب بالاصلاح من الداخل. وانتهى معظم ابناء هذا الجيل اما على الهامش في داخل الحركة، يسبحون في الوسط، او خارجها حيث بدأوا تيارات جديدة بعيدة عن الاخوان وهذا واضح من تجربة حزب الوسط الذي بدأه ابو العلا ماضي. وفي هذا السياق لا بد لنا من القول ان مجمل ما سبق هو استنتاجات توصلت اليها الباحثة في جامعة ايموري الامريكية كاري روزفيسكي ويكهام، التي تقدم حكاية الجماعة وتحلل تطور الافكار داخل الاخوان، في كتابها المهم ‘الاخوان المسلمون:تطور حركة اسلامية’ والصادر حديثا عن دار نشر جامعة برنستون. فويكهام لا تقدم ملامح التوتر الداخلية والتحديات الخارجية التي فرضت على الحركة منذ ولادتها وكيف كانت الحركة ضمن وضع ‘ الحظر واللاحظر’ قادرة على توسيع قاعدتها وبناء تحالفاتها، بل وتموضع التجربة الاخوانية المصرية الام في سياق تجارب اسلامية اخرى واجهت ظروفا سياسية مماثلة وان كانت اقل عنفا كما في التجربة الاردنية، والكويتية والمغربية. وتلح الكاتبة في قراءتها لتطور الفكر والمواقف لدى الحركة على تجربتها السياسية عبر كون الحركة ‘ داخل وخارج المؤسسة’ في نفس الوقت، وقد حدد هذا الوضع طبيعة التحالفات التي خاضتها الحركة خاصة في الثلاثين عاما الماضية. ويمثل الكتاب تحليلا واعيا وواضحا لتجربة الاخوان في ظل مبارك. وما يهم في تفاصيل الكتاب هو تأكيد الكاتبة على اهمية قراءة تجربة الاخوان عبر اطار تعددي، فالحركة وان تسيدها التيار المتشدد ممن عاشوا تجربة السجن وفرضوا عليها فكرتهم عن ‘ الدعوة’ الا ان الاخوان المسلمين يصدرون عن اصوات وتيارات متعددة تتراوح قوة وضعفا. وتزداد قوة التيار هذا او ذاك من خلال علاقة الحركة بالنظام، فقد ادى تغول نظام مبارك على الحركة الى تقوية ساعد التيار المحافظ. وترى ويكهام ان مواقف الاخوان من السلطة مرتبط بفهمهم لها على انها وسيلة وليست غاية، اي استخدامها كاطار يقومون من خلالها تحقيق اصلاحات اجتماعية تقود الى نظام سياسي مرجعيته اسلامية. وتأخذ الكاتبة على الاخوان ان مفهومهم للدولة وفكرة الحكم الاسلامي ظلت غامضة وغير معروفة بشكل واضح.
الحرس القديم والجيل الشاب
وفي تقييمها لعمل الحركة منذ ثورة الضباط الاحرار من سنوات الجمر الناصرية الى عهد السادات ان قمع ناصر ادى الى تقوية تيارين في الحركة، الثوري والتدرجي، فالمرشد العام في حينه حسن الهضيبي توصل الى نتيجة مفادها ان مواجهة نظام متخندق وقوي لن يقود الا الكارثة، وفي المقابل توصل سيد قطب ومن معه الى نتيجة معاكسة وهي ان هذا النظام لا تنفع معه سوى القوة. جاء السادات ليبدأ عهدا جديدا خاليا من ظلال ناصر، ومن هنا تمتع الاخوان بهامش كبير من الحرية واستفادوا من المجال الذي فتح لهم. وظل التعاون مع النظام محدودا ادى بنفع على الحركة لكنه اثر على تطورها وتحولها ‘مهنيتها’ و ‘روتنتها’ (من الروتينية) لتصبح مكونا اصيلا في المشهد السياسي، عندما بدد السادات كل الامال بتحول الاخوان الى حزب سياسي. ومن هنا ظلت الحركة موجودة في الحياة العامة ومحجوبة عن الشرعية. ولم يكن هذا الوضع نتاجا للقيود السياسية التي فرضت عليها بل قرارا استراتيجيا من عمر التلمساني الذي رفض عرض السادات تسجيل الحماعة في وزارة الشؤون الاجتماعية، وفي الوقت نفسه تردد المرشد العام بالضغط نحو انشاء حزب سياسي بعد رفض السادات. فهو وان طرح الفكرة اكثر من مرة الا انه لم يتخذ الاجراءات العملية ويقدم طلبا رسميا للجنة الاحزاب. و تضيف الكاتبة ان قادة الاخوان البارزين لم يكونوا راغبين بانشاء حزب سياسي يؤثر او يحل محل الجماعة وبالتالي يقوض فكرتها كجماعة تمثل كل المسلمين. وخلال هذه الفترة تقول ويكهام ان قادة الاخوان في السبعينات من القرن الماضي فضلوا المدخل التدريجي في الدعوة والتعاون مع النظام على مواجهة العنف والتيارات المتشددة الا ان خطاب قادتها تميز بنزعة غير ليبرالية سواء في النبرة او المضمون. فالتزام قادة الاخوان بتطبيق الشريعة عبر فهم محافظ يتناقض مع الديمقراطية الليبرالية وقيمها وهو ما سارع نقاد الاخوان بملاحظته واستخدامه ضدهم. ولن يشوب اي تغير على رؤية التيار المحافظ بشأن الشريعة او الدولة الاسلامية وان حدث عليها بعض التغير البسيط، لكن سنوات الثمانينات من القرن الماضي ستدخل الى ميدان الاخوان قوى جديدة هي التي تغيرت في حقبة السادات والسنوات الاولى في عهد مبارك، وقد برز هذا الجيل من اوساط الطلاب الذين عاشوا تجربة مختلفة عن تلك التي خاضها جيل السجن او المحنة.
الاصلاحيون
هذا الجيل الاصلاحي او الثالث خرج من معطف النقابات، حيث كان القادة الشباب من الاخوان يتعاملون مع تيارات مدنية، علمانية ويلتقون بفعل عملهم كممثلين للنقابات مع مسؤولي الحكومة التي تمول النقابات، ويقابلون يوميا قطاعات مختلفة من الشعب المصري وكما كتب صحافي ‘فهؤلاء الاخوان يديرون شؤون نقابات تضم نقابة المهندسين التي يتبعها 110 فرعا وبميزانية سنوية تصل الى 150 مليون جنيه مصري. وقد ادى هذا الوضع الى توتر داخل الاخوان بين الحرس القديم الذي يعيش على ‘ذكريات المحنة’ والجيل الشاب. وقد ادى تخندق الحرس القديم ممن احتلوا منصب المرشد العام، ومعظمهم يحمل بصمات الجهاز الخاص الى منع تقدم الجيل الشاب لاحتلال مناصب مهمة في مكتب الارشاد، ولم يصل من هذا الجيل الا عبدالمنعم ابو الفتوح الذي قرر فيما بعد الخروج من الاخوان وتأسيس حزبه الخاص. وقد انتقد جيل الشباب- الوسط فيما بعد- فكرة السمع والطاعة التي يؤكد عليها الحرس القديم، وانتقدوا ‘عقدة الضحية’ التي حملها معهم القادة السجناء اضافة للحاجز النفسي الذي نتج عن التعذيب الذي حل بهم بشكل يصعب عليهم الانفتاح على العالم الخارجي، غير عالم السجن. لكن الجيل الجديد على الرغم من طراوة افكاره وجدتها لم يكن يملك الشرعية الدينية كي يصدر احكامه، فقد كانوا حرفيين ونقابيين وليسوا علماء ولهذا وجدوا في الخطاب الاسلامي الجديد، الذي قدمه مفكرون اسلاميون من قامة محمد الغزالي ويوسف القرضاوي ومحمد عمارة واخرون عونا لهم. وفي اطار اخر انتقد الجيل الشاب طريقة ادارة الاخوان ونادوا بتوزيع السلطة وفتح المجال امام الاصوات الاصلاحية واتهموا الحرس القديم بتفضيل ‘الحظر القانوني’ من اجل الاستمرار في السلطة والسيطرة على مكامنها داخل الاخوان. يطرح كتاب ويكهام العديد من الاسئلة حول دوافع التغيير داخل الاخوان في العقد الاخير من القرن الماضي، فحزب الوسط والتيار الشاب الجديد كان جزءا من عمليات مساءلة، اضافة الى مبادرات واوراق من داخل الاخوان التي بدأت تميل الى التخصص وتشكيل اللجان لتقديم رؤى متعلقة بالواقع السياسي وتوائم التطورات السياسية.
ثلاثة تيارات
وقد ظلت مواقف الاخوان المسلمين خاصة في السنوات الاخيرة من عهد مبارك، مدارا لنزعات ثلاث او قل تيارات ثلاثة حكمت مواقفها السياسية العملية، انتخابات ومشاركة فيها وعلاقة مع النظام ام فصام، ومواقفها الايديولوجية المتعلقة بالدولة وشكلها ودور المرأة والحريات العامة والخاصة والموقف من الثقافة وحدود حرية التعبير. وترى ويكهام ان هذه التيارات هي تيار او فصيل الدعوة ‘الحرس القديم’ وهذا الجيل هو الذي نجا من التعذيب وعانى السجون والمحن. وقد عارض هذا الجيل تحويل الجماعة الى حزب سياسي والاحتفاظ بها كحركة متعددة الاهداف. ومع ان افراد هذا التيار قد ايد المشاركة السياسية وصدرت منه مواقف ايجابية من التعددية السياسية الا انه ظل غامضا وحذرا في الوقت نفسه من الديمقراطية والقيم الليبرالية. اما التيار الثاني فهو ‘ المحافظ البراغماتي’ وهذا الجيل هو اقل عمرا من الحرس القديم، يتمتع بمرونة اكثر من مرونة الجيل الاول، منفتح بدرجة او بأخرى على العالم وما يميزه هو خبرته السياسية في البرلمان، ويمثل هذا الجيل خيرت الشاطر ومحمد حبيب ومحمد مرسي وسعد الكتاتني. وتجد في مواقف هذا التيار من يقترب من الاصلاحيين ومن يقترب اكثر من المحافظين. وقد اعترف الشاطر بان عمل الاخوان في البرلمان كان انجازا كبيرا لانه درب اعدادا منهم على العمل البرلماني وفتح الباب امامهم للعمل مع الناس عن قرب، ومن مكاتب حكومية مع ان الجماعة محظورة. ويأتي التيار الثالث وهو الاصلاحي الذي يمثله جيل الوسط الذي كان اكثر انفتاحا على الافكار التقدمية ويدعو الى فهم منفتح للاسلام والى التعاون مع مكونات المجتمع المصري ولاحداث تغييرات داخلية في طبيعة وشكل الحركة. ولا بد من الملاحظة ان مصير هذا التيار ظل مرتهنا بالظروف التي مرت بها الحركة، فزيادة الانفتاح السياسي كان يعني صعودا للتيار هذا، وفي حالات القمع كانت الحركة تعود وتنغلق على نفسها. ومشكلة هذا التيار انه ليس جيليا، فليس كل ابناء جيل السبعينات من ابنائه. ويعتقد ان تراجع حظوظ هذا الجيل مرتبط بالحملات التي واجهتها الحركة فيما بعد عام 2005. لكن فشل الاصلاحيين في تحقيق اثر على مسار الجماعة لا يعني ان قضيتهم خاسرة، فمع ولادة وسائل التواصل الاجتماعي ظهر جيل من الشباب اتقن استخدامها وفهم اثرها. ولهذا لم تكن ترضيه ردود الحرس القديم على اي مقترح يقدمونه ‘سندرسه’ بل كانوا يريدون اجابات واضحة ودورا مهما سواء في الحركات الاحتجاجية التي مثلت نذيرا لثورة 25 يناير من مثل حركة كفاية. وكان لديهم استعداد للمشاركة في احتجاجات غير اخوانية بأشخاصهم وليس بحركتهم متحررين من مخاوف الحرس القديم وتوازنات القادة. وقد احسنت الباحثة في عرضها شرح الدور القيادي لشباب الاخوان في الثورة حيث حضروا في اللجان والتظاهرات منذ البداية متقدمين 3 ايام على قرار الجماعة الرسمي الانضمام لتظاهرات التحرير. وفي هذا السياق تظهر الكاتبة الدور الذي لعبه الاخوان وان جاءوا متأخرين في توفير الدعم اللوجيستي ومواجهة بلطجية النظام. يقدم كتاب ويكهام صورة عن التحولات التي مرت على الحركة والعوامل الداخلية والخارجية التي اثرت على قرارات قادتها في المشاركة او العزوف عن العمل السياسي. وتظهر ايضا تحولات الجيل في داخل الحركة من النزوع للقبول او ‘ترييف’ الحركة ومعاملة القادة مثل معاملة الفلاحين للعمد والاعيان، والرفض والبحث عن امكانيات اخرى خارج بوتقة الاخوان. وقد اثرت هذه التحولات على مواقف الجماعة من الثورة وطبيعة مشاركتها فيها، والقرارات التي اتخذتها فيما بعد. وفي النهاية لا بد من الثناء على تواضع ويكهام التي قضت اكثر من عشرين عاما في البحث داخل تيارات الاسلام السياسي في مصر، ويعتبر كتابها ‘ الحشد الاسلامي: الدين والنشاط والتغير السياسي في مصر’ من الكتب المهمة في هذا الاطار. وتعترف ويكهام ان معلوماتنا عن وسائل العمل الداخلي وطرق التجنيد والتحشيد تظل قليلةـ وعبرت ان املها ان يؤدي الربيع العربي الى ظهور معلومات جديدة بعد خروج الجماعات للعلن. ولكن للاسف يبدو ان الحركة التي حكمت مصر عاما في طريقها للعوالم السرية، وتتجه نحو العزلة مما سيقوي تيار المحافظين فيها اكثر.
The Muslim Brotherhood:
Evolution of an Islamist Movement
By: Carrie Rosefesky Wickham
Princeton University Press/ 2013
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو