الأربعاء 2024-12-11 23:38 م

"التحوط" .. المعطيات لا تغري

08:48 ص



يغري انخفاض أسعار النفط عالمياً أصحاب فكرة التحوط بإعادة طرقها وطرحها للتداول؛ أملا منهم في تحقيق مكتسبات للاقتصاد الوطني في حال عادت تلك الأسعار إلى الصعود مستقبلا.


القائلون بهذا الرأي يعتقدون أن المستوى الذي بلغته الأسعار خلال الفترة الحالية يدعم الفكرة؛ كونها ستحمي الخزينة من تبعات الزيادة لاحقاً، وبما يبقي البلد في حالة استقرار من هذه الناحية، طالما أن الأسعار دون 60 دولارا للبرميل.

ابتداء، فإنه صحيح أن الفكرة تستحق الدراسة والنظر فيها. بيد أن ذلك لا يمنع حقيقة وجود محاذير تفرض نفسها بشأن هذه الخطوة التي تعيد إلى الذاكرة التجربة السيئة لشركة الملكية الأردنية قبل سنوات؛ عندما اتخذت خطوة مشابهة، لكن أسعار النفط لم تسعفها، ما كبد 'الملكية' خسائر بملايين الدولارات. ولتبقَ هذه القصة حاضرة كدرس كلما طرحت فكرة 'التحوط'.

فتقلبات الأسعار حالياً عامل يفرض نفسه بقوة. ومع الإقرار بأن السوق بمعادلتها القائمة على 'العرض والطلب'، هي عامل مؤثر في أسعار النفط، إلا أنه يبقى صحيحاً أيضاً أن هذه الأسعار مرتبطة، في نهاية المطاف، ولاسيما حالياً، بأسباب سياسية اندلعت بسببها ما اصطلح على تسميتها 'حرب النفط'؛ لناحية محاولات دول منتجة إيقاع الضرر بأخرى من خلال زيادة كميات الإنتاج أو عدم القبول بتخفيضها في أحسن الأحوال، ما ينعكس على سعر البرميل.

هذا البعد السياسي سيبقى حاضرا لفترة على الأقل، فلا يمكن تجاهله، خصوصا أن الدول المنتجة للنفط، وفي منطقتنا تحديداً الملتهبة والمليئة بالأزمات والأحداث، تبقي باب التكهنات مفتوحا لصعود أزمة أو تراجعها تبعا للتطورات الميدانية.

أيضا، ثمة تطور مهم لا يمكن غضّ النظر عنه عند التفكير بعملية التحوط، وهو ذاك المتعلق باختلاف مكونات خليط الطاقة العالمي؛ إذ لم يعد النفط المصدر الوحيد لها. فاليوم، يحضر الغاز بقوة، كما الطاقة المتجددة بمختلف أشكالها؛ من شمسية ورياح وغيرها، عدا عن مشاريع الطاقة النووية التي تعكف العديد من الدول على استكمالها. ويضاف إلى ذلك التطور العلمي والتكنولوجي الذي يغني عن النفط؛ فصناعة سيارات الكهرباء، مثلاً، واتساع سوقها عالميا، سينعكسان مستقبلاً بالتأكيد على كميات النفط المطلوبة لهذا القطاع خصوصاً.

كذلك، ثمة عامل محلي من الضروري التوقف عنده في حال التفكير بتوقيع عقود شراء للتحوط، وهو المزاج الشعبي غير الإيجابي تجاه الحكومة، والذي يعني صعوبة تبرير الخطوة لعموم المواطنين في حال انخفاض أسعار النفط عن تلك التي تم الشراء على أساسها. علماً أن كثيرا من الدراسات تشير إلى أن منحى الأسعار سيحافظ على انخفاض خلال العام الحالي، حدّ توقع البعض وصوله إلى 10 دولارات للبرميل.

بالضرورة، ليس مؤكداً تحقق كل القراءات والتحليلات، لكن ذلك يبقى سيناريو مطروحا. وفي حال بلغت الأسعار عالميا مستوى منخفضا عن وقت 'التحوط'، ولم تتمكن الحكومة تالياً من ترجمة ذلك محلياً بسبب شرائها النفط على أسعار أعلى، فمن سيقنع المواطن العادي بشفافية العملية، وأن فرق السعر ليس إلا نتيجة لسياسة اتخذت سابقاً بحسن نية، ولهدف نبيل هو تجنيب الأردني نتائج ارتفاع الأسعار الذي حدث نقيضه؟!

في ظل غياب الثقة، يبدو صعباً الشروع بسياسة التحوط نفطياً. كما أن هذه السياسة، وفي الأحوال كافة، تظل حلا جزئيا. فيما الحل الأمثل هو المضي قدماً في تنفيذ استراتيجية الطاقة التي تعتمد توفير خليط متوازن من مصادر الطاقة، يشكل النفط واحدا فقط من مكوناته، إلى جانبه الغاز، ومشاريع الطاقة المتجددة التي بدأ العمل على تنفيذها بتكلفة تصل مئات ملايين الدولارات.

الارتهان لحقائق ومعطيات محلية، يظل أفضل حتماً من الارتهان لسوق النفط التي تعصف بها العديد من المتغيرات السياسية، كما الاقتصادية بالتأكيد.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة