الوكيل - مثل ناسك زاهد، يعتكف الفنان التشكيلي فيصل احميشان -أستاذ شعبة الفنون التطبيقة بأكَادير/ جنوب المغرب- داخل مرسمه الذي أمسى جزءاً من برنامجه اليومي، دائم البحث والتجريب والتأمل، ويشتغل بطقوسية Ritualit’ وبأنفاس خلاَّقة متواصلة تمتد لأفقه ولمشروعه الجمالي.
داخل المرسم، تنبثق أعمال صباغية مطبوعة بتجريدية صدَّاحة قائمة على الحركة والتشكيل الفعلاني. في عمقها تتبدى مجموعة من الألوان الترابية والبنية التي يخترقها، بين تجربة وأخرى، بياض نوراني وأصفر ساجي وأحمر ناري وأزرق كوبلتي ناصع يعلن عن صوفيته..أضف إلى ذلك ظهور خطوط غرافيكية في شكل إمضاءات وتواقيع سريعة التنفيذ وضاربة نحو اتجاهات مدوَّرة تعبّر عن المطلق واللانهائي وتنسجم مع فكرة مفادها ‘أن الفن لم يعد له تعريف أبدي ولا زمني’، والتي خلص إليها ت. أدورنو Adorno Th. في حديثه عن موضوع تاريخية الفن ضمن كتابه ‘النظرية الجمالية’.
وفقاً لذلك، يصحُّ القول كون التجربة الصباغية للفنان احميشان تندرج ضمن تجريد إيقاعي يقوم بالأساس على التبصيم وإغناء السند بآثار صباغية متكوِّرة وخدوشات لونية إكسائية متحركة، دورانية ولولبية، تمتد لإيماءات الجسد وانفعالاته..من ثم تغدو اللوحة عند الفنان فضاء يستوعب ضربات فرشاة غليظة وعريضة، مسلوخة من نعومتها، متباينة على إيقاع تعدد الأصباغ والمواد التلوينية ذات الطبيعة السائلة والذائبة.
وبقدر ما هي بصمات متحركة، هي أيضاً حصيلة فعل إرادي يروم معرفة وإدراك تحوُّلات المادة وتبدلاتها البصرية فوق سند الاشتغال والمعالجة التشكيلية. هي بلا شك بلاغة التشكيل الذي يهب المادة حركية ونصاعة وتعدُّد اللون الواحد المنسدل على ألوان أخرى اصطلاحية متناسلة ضمن إيقاع بصري موازٍ للضوء وللألوان المتعاقبة.
وبالنظر إلى اللوحات الصباغية التي يبدعها الفنان احميشان، تتضح رغبته في إثبات ذاته بمقدار انخراطه في تجريد ما بعد الرسموية الذي أرسى دعائمه مبدعون كبار أمثال جاكسون بوللوك وفرانز كلين وجورج ماثيو..إلى غير ذلك من الفنانين العالميين الذين رسموا معالم التحوّل الجذري الذي شهده التاريخ الإبداعي الإنساني، والذي ظهرت في ضوئه حداثة فنية دعت إلى تأليف اللوحة الفنية، وإلى استقلال الفن عن الواقع الذي يأخذ عنه، وإلى رفض المفاهيم المثالية للجمال، والقيم الفنية التي كرّست خلال فترة صعود البورجوازية الأوروبية.
إن الرائي إلى هذه اللوحات، ستشدّ بصره تلك الخطوطيات السريعة والأشكال اللطخية التي تحمل هوية صباغية تستمد ملامحها الرئيسية من التجريدية الجديدة..بل ستدفعه إلى تفحص بناءاتها وإنشاءاتها الغرافيكية المؤسسة على تضاد شكلي ولوني (ضوئي) مفعم بالعديد من المعاني والسرائر الكثيرة..
على هذا المنوال ينجح الفنان احميشان في خلق حالات متنوِّعة من التشكيل الصباغي ذي المنحى الحركي الذي تنصهر فيه الاستعارات والمجازات المرئية لفائدة أطياف وتلافيف لونية تظل مندمجة في جسد اللوحة. من ثم، وعلى المستوى الغرافيكي / الخطي، تمسي العين تتلقى وفرة من الخطوط والأشكال الحدسية الملونة والمصاغة على قواعد تلوينية متشابكة يتطلب استيعابها والنفاذ إلى معانيها أكثر من قراءة، على اعتبار أن المرء لا يستطيع بلوغ جوهر الأشياء إلا بعد توتر وتفاعل شديدين، كما يقول الناقد هربرت ريد H. Read..
فالفنان يرسم هذه الحالات بواسطة خطوط شبكية ورشمات Estampes متصالبة الشكل والتركيب، وأخرى محيطية تتبادل المواقع وتتخذ المساحات والكتل الموجودة بينها معان مادية وروحية قوية الارتباط والتلازم..
إن كل الطريق أمام الفنان احميشان لتأكيد مكانته داخل نسيج الإبداع التشكيلي المعاصر في المغرب شريطة مواصلة البحث الصباغي وتعميقه وإنضاج التجربة الجمالية بحيوية متوقدة ووعي متجدِّد مصحوب بالتفكير والتأمل..وبالنتيجة، فإن اللوحات التي يبدعها هذا الفنان الحركي كفيلة بمنحه وضعا متميِّزاً ضمن أعضاء جيله من الرسامين والفنانين..
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو