الأربعاء 2024-12-11 17:27 م

التفريط بأوائل المملكة

02:04 ص

لقد شعرت بالصدمة عندما تم التأكيد من بعض الجهات الرسميّة على عدم تبني العشرة الأوائل على مستوى المملكة من قبل الحكومة وإلغاء القرارات التقليدية السابقة بضرورة حصولهم على منح دراسية داخل المملكة أو خارجها، وهذا ما شكا منه أولياء أمور الطلبة الذين حصلوا على هذه المراتب بما فيهم تلك الطالبة التي حصلت على معدل (99,6)% وحازت المرتبة الأولى في الفرع العلمي.

أوائل المملكة في كل الفروع هم ثروة وطنية حقيقية، بل أهم ثروات الوطن على الإطلاق، فهؤلاء خيرة عقول الجيل من حيث الذكاء ومن حيث الاجتهاد والمثابرة، ولذلك من نافلة القول التأكيد على ضرورة تكريمهم ورعايتهم والإنفاق على دراستهم، وتبني خياراتهم للدراسة في مختلف حقول المعرفة، بل يجب أن تكون هناك مؤسسة رسمية مختصة برعاية المواهب والعقول وتقديم أعلى درجات الحفاوة والتقدير، وأقلها الإنفاق المجزي على دراستهم ومعيشتهم وتوفير نوعاً من الرعاية الدائمة والمستمرة لتحصيلهم العلمي وتفوقهم في مجالات تخصصاتهم المتنوعة التي تخدم النهوض العلمي للبلاد، إذا كانت هناك خطة ورؤية ورسالة.
الإنفاق على أوائل المملكة لا يتعارض مع رعاية الطلبة الفقراء، ولا يتناقض مع مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص، وإن اللجوء إلى تبرير عدم حصول الأوائل والمتفوقين في امتحان الثانوية العامة بالاكتفاء بتوفير الإنفاق على الطلبة الفقراء والمحتاجين هو ضرب من ضروب الهرطقة، والمنطق السقيم الذي لا يتوافق مع الحقيقة ولا يتواءم مع الواقع.
العدالة تقتضي رعاية المتفوقين وأصحاب المعدلات العالية والمجتهدين والموهوبين، ويجب أن لا يكون الفقر حائلاً أمام الأذكياء ليواصلوا تحصيلهم المعرفي والحصول على أعلى مراتب التخصصات العلمية وأرقاها، مع مراعاة الظروف الاجتماعية والمادية لمختلف المناطق، لأن الهدف هو دعم الأذكياء والمجتهدين والذين يملكون القدرة على التحصيل العلمي المتفوق.
بمعنى آخر ينبغي أن يكون المعيار المعتمد في سياسية الدعم في مجال التعليم هو التفوق الدراسي، ومعدل التحصيل العلمي، بغض النظر عن الحالة الاجتماعية والمادية من حيث الغنى والفقر، وهذا محض العدالة، أما مجال الرعاية الاجتماعية للطبقات الفقيرة فهذا مجال آخر من مجالات الرعاية الرسمية الذي لا يتعارض ولا يتناقض مع مجال رعاية التفوق العلمي، بل يجب التنويه إلى ضرورة اعتبار الاجتهاد والتفوق كمعيار مفاضلة بين المتنافسين الفقراء في مجالات التحصيل المعرفي، وعند ذلك يمكن صيد عصفورين بحجر واحد.
أحسب أن رئيس الحكومة محسوب على حقل التربية والتعليم إضافة إلى حقل التخطيط على مستوى الدولة، ولذلك يؤمل من الرئيس أن يعيد النظر بقرار حرمان نخبة الأوائل في الثانوية العامة على مستوى المملكة من البعثات العلمية المجزية، بحيث لا يجوز مس حقوق هؤلاء المتفوقين، بل يجب الالتفات إلى ضرورة التوسع في بند النفقات على الموهوبين والمبدعين، ويجب أن لا يخضع هذا البند إلى التوفير وتقليص النفقات مع ضرورة توخي أدق معايير العدالة في الاختيار، وضرورة عدم تدخل الوساطات والمحسوبيات في هذا المجال، لأن ذلك يعد من أعظم مسارب الفساد التي تلحق الظلم بالمجتمع كله وتلحق الضرر بمستقبل الأجيال ومستقبل الدولة.
وفي هذا المجال يقترح إيجاد مؤسسة رسمية مختصة لرعاية أصحاب المواهب، وضرورة توزيعهم على مختلف حقول المعرفة، بحيث لا يتم حشر جميع الأوائل في تخصص الطب على سبيل المثال مع أهمية هذا التخصص ولكن نحن نريد توزيع الأوائل على تخصصات الاجتماع والتاريخ وعلم النفس والشريعة واللغة العربية، بحيث تنال هذه التخصصات حصتها من الأذكياء والأوائل في كل عام وذلك لدورها الخطير في البناء العقلي والبناء الإنساني الجوهري.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة