الجمعة 2024-12-13 13:39 م

الحرب الاقتصادية القادمة

06:57 ص

لقد شنت الولايات المتحدة الحرب على أفغانستان والعراق منذ ما يزيد على ستة عشر عاماً، وأشغلت العالم والكرة الأرضية في معارك خاسرة، أدت إلى تدهور مريع في بقاع واسعة من العالم وغرقت أمريكا في انفاق عسكري باهظ ومرهق، وغرق معها حلفاؤها أيضاً، وما زال العالم منشغلاً بمواجهة العدو الجديد الذي تمثل بالتطرف والارهاب، تلك المواجهة التي سوف تؤدي إلى تغيير جوهري في وجه العالم السياسي.



على الطرف المقابل كانت الصين قد وضعت خطتها الاقتصادية للتقدم الحثيث نحو تحسين مكانتها العالمية خلال عقدين من الزمن، والاقتراب من امتلاك القوة الاقتصادية الأولى على مستوى العالم، التي استأثرت بها الولايات المتحدة ردحاً من الزمن، ولقد وجدت الصين فرصتها الذهبية في فترة انشغال الأمريكان في حروبهم المتوالية، واستطاعت الصين تحقيق أرقام نمو مذهلة وصلت إلى حدود 9% في ظل اتباع سياسة هادئة وحكيمة مع معظم دول العالم، كما أنها استطاعت الحفاظ على قوتها وترسانتها العسكرية من التبديد، وتخلت عن الدخول في أي مواجهة.


استيقظت الولايات المتحدة على هذه الحقيقة مؤخراً، وتريد الانتقال نحو مواجهة العملاق الاقتصادي الصيني القادم، وهي تعيد ترتيب أوضاعها لخوض الحرب الاقتصادية القادمة بزعامة الرئيس الجديد رجل الأعمال المعروف «ترامب» الذي يتحفز نحو تدشين المرحلة الجديدة بعدة إجراءات سياسية واقتصادية حاسمة، ويغلب على الرجل فيما يبدو روح المغامرة والتحدي ومعالم شخصية راعي البقر الأمريكي الأبيض الذي ينزع دائماً نحو استخدام القوة.


من المفارقات العجيبة في المواجهة الاقتصادية القادمة؛ أن الرئيس الصيني الذي يمثل آخر قلاع الشيوعية يدافع بشدة عن العولمة، وعن مبادىء منظمة التجارة العالمية، ويدافع عن الانفتاح التجاري ومقاومة العوائق التي تقف عائقاً أمام انسياب المنتوجات الصناعية والزراعية إلى كل دول العالم، بينما يحاول الرئيس الأمريكي تبني مواقف مشددة إزاء التبادل التجاري الحر، وهو يميل إلى وضع قيود تحدد من التغلغل الاقتصادي الصيني وتمنع الاختراق الذي تحدثه في الأسواق العالمية.


الرئيس الصيني يبدو أنه يستشعر خطر المواجهة التجارية التي يحضر لها الرئيس الأمريكي الجديد، حيث كان أبرز الشخصيات الحاضرة في منتدى دافوس المنعقد حاليا في سويسرا، وقد صرح قائلاً : «لا أحد سيخرج منتصراً من حرب تجارية»، في تحذير واضح للرئيس الأمريكي «ترامب « الذي وعد بفرض قيود جمركية تستهدف الصادرات الصينية، وقد دعا الرئيس الصيني إلى حماية الانفتاح والتبادل الاقتصادي الحر بين دول العالم في جمع ضخم من رجال السياسة والاقتصاد من معظم دول العالم الذين يزيد عددهم عن (3000) من قادة العالم الاقتصاديين والسياسيين.


المواجهة الاقتصادية المتوقعة بين الولايات المتحدة والصين سوف تكون هي العنوان الأبرز لعالم المواجهات والحروب العالمية، وسوف تنعكس ظلالها على أغلب دول العالم، ولكن الوجه الأكثر خطورة في هذه المواجهة سوف يتمثل بإعادة رسم الخارطة السياسية لكثير من خطوط التماس السابقة بين الشرق والغرب، وسوف يتم الاستعجال في لملمة بقايا المعارك السابقة، وسوف يتم الشروع في رسم معالم التسويات الكبرى على مستوى منطقة الشرق الأوسط أولاً، حيث أعطت الولايات المتحدة روسيا دوراً أكثر اتساعاً في إدارة الملفات الساخنة، من أجل تقديم المساعدة على صعيد المواجهة الاقتصادية والحرب التجارية مع الصين.


ويبقى السؤال الكبير المتعلق بالعرب، الذين لم يدركوا معالم التغير والتحول الذي يجري على خارطة الصراع العالمية، ولم يستعدوا للتعامل مع المرحلة كما تفرضه جملة التحولات الخطرة التي سوف تمسهم بعمق، وليس أمام العرب إلّا أن يشكلوا جسماً عربياً متماسكاً، وكتلة اقتصادية وازنة تملك قوة مؤثرة في المعادلة الدولية وفي خارطة الصراع الاقتصادي العالمي، وهذا لن يتحقق إلّا من خلال سلوك طريق الاصلاح الشامل، الذي يستند إلى مشاركة الشعوب العربية في القرار السياسي، وقدرتها على المشاركة في تقرير مصيرها، وبغير ذلك فإن العرب معرضون للخضوع تحت سيطرة القوى الإقليمية المحيطة، التي استطاعت أن تكون أكثر ذكاءً في التعامل مع الظروف السياسية الدولية والإقليمية.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة