الأربعاء 2024-12-11 15:27 م

الحكومة تتجاوز “المطبات” فكيف تستعيد الثقة؟

10:37 ص


نجح رئیس الحكومة الدكتور عمر الرزاز في تجاوز مطب ”الموازنة“، وبعد أیام طویلة وشاقة من النقد القاسي صوتت الغالبیة البرلمانیة مع إقرارھا، وھذا بالتأكید لا یشكل مفاجأة.  



من الواضح أن الحكومة لم تمارس ضغوطاً، ولم تقدم وعوداً من أجل استمالة بعض النواب للتصویت لصالح الموازنة، ولم تطلب ”الفزعة“ والتدخل لإنقاذھا، أو تخفیف الكلام الجارح الذي قالھ البعض بحق الرئیس والحكومة.


لم أصب بالدھشة بمرور الموازنة بالبرلمان، فلا أتذكر منذ العام 1989 أن موازنة رفضت، وأكاد أجزم أن غالبیة الأردنیین لا یستمعون لخطابات الموازنة مھما كانت، والأھم أنھم لا یثقون بأن كل ھذا الماراثون یمكن أن ینعكس لتحسین حیاتھم.


حین یتاح لي سماع بعض خطابات النواب في الموازنة أشعر بالحزن، فاللغة لم تتغیر، وذات المطالب والخدمات تعاد كل عام، وتشتھي ان تستمع لخطاب موزون یشخص الأزمة بواقعیة، ویقدم رؤیة في ”الاقتصاد السیاسي“ قابلة للتطبیق، ویتعامل مع موارد الدولة بدرایة، ویفتح لنا كوة للأمل بتوصیات خلاقة.


بالتأكید لن ینصلح حالنا في ظل غیاب الأحزاب القویة التي تمتلك رؤیة وبرنامجا، فالیوم كل نائب یمثل حزبا، وبرامجھ ومطالبھ لا تتعدى مصالحھ ومصالح ناخبیھ، وسنستمر في تدویر الأزمة ما لم نضع طریقا للخلاص، فالشارع یفضل ”حل البرلمان“ على أن نعید انتاج نفس الأزمة السیاسیة.


تجاوز الرزاز مطب الموازنة، مثلما تجاوز اختبار الثقة، والأزمات العاصفة التي مرت بحكومتھ، مثل قضیة عوني مطیع، وسیول البحر المیت والجنوب، وتبدو الحكومة الآن، أكثر اطمئنانا بالقدرة على التحرك دون ضغوط، وحدیث الرئیس الرزاز لبرنامج ”نبض البلد“ الذي یقدمھ الزمیل محمد الخالدي یظھر ذلك.


یسلط الرئیس خلال ھذا الحوار الضوء على مجموعة من المفاصل التي یعتقد أنھا مھمة  للشارع، أبرزھا أن لا زیادة للضرائب في 2019 ،ولا یكتفي بذلك بل یشیر إلى تخفیض الضریبة على (150 (سلعة أساسیة، ویمضي لجلب انتباه الناس إلى أن الأھم ھو تحسین نوعیة الخدمات التي تقدم لھم.


لو نجحت حكومة الرزاز بتحسین نوعیة الخدمات للناس وشعروا بأثر ذلك، وأخص بالتحدید التعلیم والصحة والنقل ولو بشكل جزئي، فإنھا تكون قد سارت في أول الطریق الصحیح. تحتاج الناس أن تشعر أن الشعارات التي تطلقھا الحكومة تنعكس على حیاتھا، وبخلاف ذلك فإنھا شعارات جوفاء لا قیمة لھا سواء كانت تتحدث عن دولة الإنتاج أو دولة المواطنة و سیادة القانون.


ما تبقى من محطات أمام الحكومة في الأشھر الباقیة من عمرھا حتى إجراء الانتخابات البرلمانیة القادمة لیس أكثر صعوبة مما مضى، فھي الیوم أمام استحقاق التعدیل الوزاري، وحتى الآن یتمھل الرئیس في إنجازه بعد استقالة وزیر التربیة والتعلیم والتعلیم العالي، ووزیرة السیاحة على خلفیة كارثة ضحایا البحر المیت.


الأرجح أن یلجأ الرزاز لتعدیل وزاري یتجاوز فقط تعبئة شواغر ھذه الوزارات، وھي فرصة جدیدة تلوح لھ لتطعیم فریقھ بوزراء یستطیعون أن ینجزوا معھ خطة أولویات الحكومة التي یؤمن بھا.


المعلومات الأولیة تشیر إلى أن فكرة دمج بعض الوزارات لن تستمر، وبعضھا الآخر سیجري مأسستھ باعتباره الحل الأمثل، لكن الرزاز یدرك أنھ لن یكرر أخطاءه في التشكیل الوزاري الذي أحبط مؤیدیھ ومحبیھ، ولذلك ستخرج أسماء لامعة في التعدیل الوزاري. أمام الرزاز محطتان مھمتان علیھ أن یتجاوزھما بأمان، الأولى قانون العفو العام، وھو لن یقف معارضا لتوجھات الأغلبیة البرلمانیة في توسیع شمول جرائم جدیدة، ما سیخفف الاحتقان الشعبي.


والثانیة تعدیل قانون الجرائم الالكترونیة، وھذا یثیر غضب الإعلام ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وسحب القانون وإجراء تعدیلات طفیفة إیجابیة قبل إعادتھ للنواب كان خطوة جیدة، لكنھا غیر كافیة، والمطلوب ألا تقف الحكومة حجر عثرة أمام تعدیلات جذریة تدعم حریة التعبیر والإعلام، بل یجب أن تبعث رسائل لمجلس النواب تساند تجوید وتحسین ھذا القانون لیشكل ضمانة للحریات العامة.


التحدي الأخیر للحكومة مستقبل قانون اللامركزیة والانتخاب وھما على الأجندة، وسیجري التعدیل علیھما قبل الانتخابات القادمة. قانون الانتخاب لا یعرف ”الخلطة السحریة“ الجدیدة لھ، أما ”اللامركزیة“ فالأمر لن یتعدى إعادة النظر بآلیات التمثیل والانتخاب. ویبقى ویظل ما ھو أھم، كیف تستعید الحكومة ثقة الناس، وتخلق عندھم الأمل بالمستقبل، وھذا ھو أبجدیة الحل؟

gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة