الأربعاء 2024-12-11 23:48 م

الخياط والزوجة والإبن

12:45 م

لا شك أن الجميع يعرف الحكاية التي تُروى على أنها 'نكتة'، وهي أن رجلاً ذهب إلى خياط وقال له: 'خذ قطعة القماش هذه، أريد أن تخيط لي منها بدلة لألبسها غداًُ، هل تسمعني أريدها غداً وليس بعد غد، لن أقبل أي أعذار، ولا تتذرع بأن القماش لم يكفي أو أن والدك مات، أو أنك قد مرضت، أنا لا تنطلي عليّ أي حجج، هل تعتقد أني غبي وعديم الإدراك والفهم، أصلاً أنا أخطأت عندما قررتُ القدوم إليك، أعطني القماش فقد عدلتُ عن رأيي ولن أخيط عندك'!!!.


وفي حكاية أخرى أن رجلاً عصبياً جلس مع زوجته وقال لها: حصلت معي اليوم قصة غريب جداً، ومِن شدة غرابتها أعتقد أنك لن تصديقيها، وأجزم أنكِ ستقولين في سرك دون أن تُسمعيني أو تنطقي بأني كاذب، أنا لستُ كاذباً، أنت الكاذبة وأهل كاذبون، أنت زوجة غير مؤدبة، ومِن المستحيل أن نستمر سوياً.. أنتِ طالق'!!!.

وحكاية ثالثة تقول تفاصيلها أن ولداً إشتكى لأبيه مِن كثره مجادله الناس بعضها لبعض دون الخروج بأفكار تذكر، وكأن الحوار في حد ذاته غاية مقصودة ولا يستسلم أحد لأفكار الآخر، فأراد أبيه أن يعلمه درساً، فاصطحبه الى قطعة أرض صخرية، وقال لأبنه :خذ هذا الفأس وكسر هذه الأرض وضع فيها هذه الحبة، فطاوع الولد أبيه وفعل ما أمره، وجد الولد صعوبة في البداية الى أن تكسر الصخر، وما أن تكسر حتى أخذ الحبة ووضعها مثلما قال له أبيه، فقال له الأب :إفعل ما فعلته في الأرض الصخرية في تلك الأرض الزراعية، فأخذ الولد الفأس وفعل ما أمره به والده، ولكنه وجد سهولة في حفر الأرض لم يجدها في المرة السابقة، فوضع الحبة، وأنصرفا، وبعد عدة أيام ذهبا مرة أخرى الى قطعتي الأرض، فوجدا أن الأرض الزراعية أنبتت نبتة صغيرة، ولكن الأرض الصخرية ظلت مكسورة كما هي، فقال الأب لإبنه: الأرض الصخرية تلك مثل الانسان الذي يُكثر الجدل واذا جلس معه شخص آخر ليتحاور معه يتمسك برأيه ويقرر ألا يغيره ويمكن أن يصل الحوار الى حرب كلاميه يذهب ضحيتها الأفكار والإحترام المتبادل، أما الأرض الزراعية في الجانب الآخر ما هي إلا إنسان ما أن واجهه الآخر برأي مختلف حتى أخذه في الأعتبار وعدّل مِن فكرته الأصلية وأخرج فكرة جديدة مثمرة، فيا بني لا تجعل الفأس تكسرك وتحولك الى صورة مشوهة، وتمتع بالمرونة الكافيه حتى تخرج من الحوار بفكرة مثمرة.

هذه الحكايات وغيرها الكثير هي حتماً ليست حكايات للتسلية والضحك، بل حكايات واقعية تؤكد إفتقارنا إلى لغة الحوار، وأن الناس باتوا متوترين دائماً وكأنهم متأهبون للعراك والقتال.. نعم الحوار مفقود.. هذا هو سر معظم مشكلاتنا إن لم يكن كلها.

جمال أبو العز
jamalaboalezz@yahoo.com


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة