الأربعاء 2024-12-11 15:27 م

الربيع العربي ( ربيعاً صهيونياً ) بامتياز !

11:56 ص


هل الربيع العربي ( عربياً خالصاً ) أم ربيعاً عربياً بأدوات غربية استطاعت الدول الرأسمالية تسييسه لمصلحتها ولمصلحة ( الكيان المحتل ) وذلك من خلال تقديم المساعدات اللوجستية المباشرة والغير مباشرة للقوى السياسية وعلى رأسها الإخوان المسلمين للوصول بهم إلى السلطة مقابل ضمان أمن ( الكيان المحتل ) ، وضمان البقاء على مصالحها الحيوية في الوطن العربي ( الشرق الأوسط الجديد ) ، وذلك للخلاص من بعبع الإسلام السياسي والحركات الإسلامية من جهة والتقرب من الشعوب الثائرة من جهة أخرى عبر محاولة إقناعها بأنها تقف إلى جانب مطالب الشعوب العربية ، فهل يكون الربيع العربي نقمة على الشعوب التي ضحت للتخلص من أنظمة فاسدة ليجدوا أنفسهم وبطريقة غير مباشرة بأحضان وفي براثن ( القوى الرأسمالية ) ، هل ضحت الشعوب العربية الثائرة بدماء أبنائها وشبابها وأطفالها وبدون قصد للمحافظة على أمن ( الكيان المحتل ) ؟ وبين هذا وذاك أين القضية الفلسطينية من الإعراب بعد وصول بعض الحركات الإسلامية إلى السلطة عبر دعم الغرب لها ، وهل وصول الإسلاميين إلى السلطة سيقدم إضافة حقيقية للقضية الفلسطينية أم سيكونوا عبئاً عليها ولن تختلف سياستهم الخارجية عن الأنظمة السابقة ،


ليس كذباً أن الربيع العربي كان ربيعاً عربياً خالصاً ، ومن أهم أسباب قيامه في الدرجة الأولى ( الأوضاع الاقتصادية ) المتردية لبلدان الربيع العربي وفي الدرجة الثانية الأوضاع السياسية ( المحتكرة ) من قِبل ( ثلة ) قليلة تسيطر على البلاد والعباد ، وكثرة الفاسدين المحسوبين على تلك الأنظمة ، مما نتج عنه فقر وبطالة وعوز وفقدان الثقة بين الحاكم والمحكوم ،

ويبدو بأن الدول الرأسمالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية نجحت في استثمار الربيع العربي لصالحها بل وقطفت محصوله قبل الشعوب الثائرة نفسها ، وذلك من خلال نفوذها الاقتصادي والسياسي والعسكري واستثمار حاجة الشعوب العربية لذلك النفوذ في لي ذراع الأنظمة التي استخدمت القوة المفرطة بحق شعوبها لذلك نجحت في تسييس الثورات العربية والمحافظة على مصالحها ، فمجرد الاعتراف بالقوى السياسية المناهضة لتلك الأنظمة والمتحدثة باسم الشعوب الثائرة وإضفاء الشرعية الدولية لها ومساعدتها بشكل مباشر في التخلص من تلك الأنظمة . جعل من الثورات العربية مجرد تغيير أنظمة لا تغيير سياسات ، بل يبدو بأن الربيع العربي كان ربيعاً اخضراً بالنسبة للكيان المحتل على الأقل لبضع سنوات قادمة ، فلا يعقل أن الأنظمة العربية الجديدة التي ساندها الغرب ( الرأسمالي ) وأوصلها إلى السلطة ستنقلب عليه بين ليلة وضحاها .

لو كان الربيع العربي قد حقق أهدافه دون مساعدة الدول الغربية لقلنا أن الكيان المحتل والمصالح الغربية في الوطن العربي بخطر ، لو تم التخلص من الأنظمة التي ثارت شعوبها عليها في إطار الدول العربية لقلنا أن الربيع العربي خطوة في الاتجاه الصحيح نحو التحرر بكل مفاهيمه ، ولكن جاء الربيع العربي مختلفاً بقسوته فلم يكن كانقلاب جمال عبد الناصر العسكري عام 1952 حيث لم يسجل سفك قطرة دم واحدة ، أو انقلاب سياسي ( ابيض ) كانقلاب أمير قطر حمد آل ثاني على والده عام 1995 والذي تم بكل هدوء ، ولكن الربيع العربي جاء شعبياً وعفوياً دون تنظيم ولا تخطيط مسبق ، فقد أُريقت فيه دماء الأبرياء وحاولت الأنظمة البائدة الدفاع عن أنظمتها بأشرس الوسائل القمعية التي لم تجدي نفعاً إلا تخريب البلاد وقتل العباد ، وفي ظل ضعف الجامعة العربية وعدم قدرتها على إدارة هذا الربيع وانقسامها التاريخي على نفسها كانت الفرصة سانحة لما يسمى (مجلس الرعب الدولي ) والقوى الرأسمالية للتدخل فوجدت من خلاله الطريق ممهد لتضع بصماتها وبرضى الشعوب مكرهة وليست مخيرة ، مما جعل سقف التوقعات لنتائج الربيع العربي وانعكاساته على القضية الفلسطينية دون رغبات وطموحات الشارع العربي على اقل تقدير ، وكان أول تلك الانعكاسات السلبية أن وقع الرئيس المصري الجديد ( بفخ ) الموساد الإسرائيلي وعملائه ، عبر عملية استخباراتية وضعت الرئيس الجديد في زاوية ضيقة ، فكان أول قراراته هدم الأنفاق وقطع الماء والدواء والسلاح عن غزة ، بعدما كان قد تعهد لإسماعيل هنية ولأبناء غزة عموماً بأن لا يغلق معبر رفح وأن عهد مبارك قد ولى . وهذا دليل قاطع على أن الأنظمة الجديدة وليدة الربيع العربي لن تكون على مستوى طموحات إخواننا في فلسطين المحتلة ، حيث أنهم علقوا الآمال على أن يولد من رحم الربيع العربي أنظمة عربية ستقف بوجه الاحتلال الصهيوني ، فربما نشهد ارتفاع في سقف الخطابات والمطالب النظرية وفقط ! .

ومع ما تقدم لست متشائماً فربما أن أحد أهم نتائج الربيع العربي هو التخلص من الأنظمة القمعية الفاسدة وبغض النظر عن الوسائل ، وهذا بحد ذاته انجاز تاريخي للشعوب العربية بأن تعيد ترتيب البيت الداخلي لها والتخلص من الفاسدين ومحاكمتهم وإعادة ثروات البلاد المنهوبة والتي قد يشعر المواطن العربي بعد عشر سنوات على أقل تقدير بنتائجها الملموسة على الأرض ، فالإرث الذي تركته تلك الأنظمة ثقيل جداً على أي نظام جديد ، مما يستدعي صبر شعوب الربيع العربي في الفترة الانتقالية ، مع عدم عقد الآمال على أي تقدم في ملف القضية الفلسطينية . والسبب بكل بساطة أن دول الربيع العربي ستحتاج وكما ذكرت لسنوات طويلة في إعادة بناء دولهم وترتيب أوضاعهم الداخلية مما يجعلهم غير قادرين فعلياً لتقديم الدعم الذي نطمح إليه تجاه القضية الأهم والقضية المركزية وهي ( الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة ) .
الكاتب
محمد صلاح الغويري
m.jor29@yahoo.com



gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة