الأربعاء 2024-12-11 18:47 م

الرهان على «القيصر »

07:50 ص





يراهن بعض اليساريين العرب على الرئيس الروسي بوتين، في دعم القضايا العربية، ويخيل لي أن بعضهم يتوهم أنه «نسخة معدلة «عن لينين ، ويصفقون لبعض مناكفات « القيصر الجديد» للسياسة الاميركية ، ويحتفلون بما تحققه موسكو من انجازات في مجال الصناعات العسكرية، لكنهم يتجاهلون التغيرات الجوهرية التي طرأت في بنية السياسة الروسية داخليا وخارجيا، والتي انعكست على العلاقات الدولية ، حيث تم شطب مصطلح «الامبريالية « من الأدبيات السياسية للدولة الروسية ،التي اعتمدت اقتصاد السوق والتجارة الحرة ،كما هو حال زعيمة الرأسمالية العالمية ، وأصبح التعاون بين واشنطن وموسكو هو القاعدة التي تحكم علاقات الجانبين !


هذه الرهانات هي من رواسب الأفكار الايديولوجية الجميلة ،التي أصبحت جزءا من الماضي ، واذا كان الموقف من القضية الفلسطينية يشكل ، معيارا أساسيا للحكم على سياسات الدول ، فإن مواقف «روسيا بوتين « تبدو متخاذلة بهذا الصدد ، ولم تتخذ أي موقف جدي داعم للفلسطينيين ،الذين يعانون من آخر احتلال استيطاني في العالم ،وقضيتهم هي الأكثر عدالة في التاريخ الحديث.

والمفارقة أن علاقات موسكو مع تل أبيب تتعزز بشكل متواصل ، والشاهد أنه في كل مرة يزور فيها نتنياهو موسكو، تزداد حرارة العلاقات الثنائية بين الجانبين ، وكانت الزيارة الاخيرة خلال الشهر الماضي مؤشرا واضحا على ذلك، حيث ركزت المباحثات بين نتنياهو وبوتين على تعزيز علاقات الصداقة ،ولم تحظ القضية الفلسطينية باهتمام جدي ، باستثناء كلام ممجوج على لسان بوتين ، حول استعداد روسيا للإسهام بقسطها ،في إيجاد «تسوية عادلة وشاملة» للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني !

رغم ان الجميع يعرف أن أميركا هي الدولة الوحيدة ،القادرة على الضغط على تل ابيب وتحريك عجلة التسوية، وقد رحلت واشنطن هذا الملف الى الادارة المقبلة، بعد أن أمضت إدارة أوباما ثماني سنوات ، ولم تفعل شيئا غير زيارات مكوكية وتصريحات مكررة عن تحريك المفاوضات و «حل الدولتين» ، للرئيس اوباما ووزير الخارجية جون كيري ، وقبله هيلاري كلينتون المرشحة الرئاسية ،خلال عملها وزيرة للخارجية في ولاية أوباما الاولى !

ربما الجديد الصادم هو تأكيد بوتين أن روسيا وإسرائيل «حليفتان « في مجال مكافحة الارهاب ! مشيرا الى إن إسرائيل تعرف ظاهرة الارهاب ،ليس بالسمع بل أنها تحارب الإرهاب « ! وهنا بيت القصيد ، ذلك ان اسرائيل تعتبر المقاومة الفلسطينية السلمية، أو التي تتخذ طابعا مسلحا «إرهابا» ! وكل من ينتقد الاحتلال وسياسات التهويد والاستيطان يتهم بالإرهاب و»معادية السامية»، رغم أن اسرائيل تمارس أبشع أساليب إرهاب الدولة بحق الشعب الفلسطيني ، ولم يستثن إرهابها حتى الأطفال ! واذا كان معروف تاريخيا بأن الولايات المتحدة تعتبر اسرائيل الحليف الوحيد لها في المنطقة، فإن بوتين يبدو وكأنه يزاود على واشنطن في تأكيد « التحالف» بين روسيا واسرائيل، وتعميق العلاقات الثنائية في مختلف المجالات ! فقد أبلغ نتنياهو: «ان روسيا تولي أهمية كبيرة للعلاقات مع إسرائيل، ليس فقط لأنها دولة محورية في الشرق الأوسط ، وإنما نظرا للعلاقات التاريخية بين بلدينا»! وزاد على ذلك أن روسيا تقف موقفا «إيجابيا تماما» ، من إعادة العلاقات الدبلوماسية بين تركيا واسرائيل !

منذ بدات روسيا تدخلها العسكري في سوريالانقاذ نظام الاسد ، اتفقت مع اسرائيل على التنسيق بشأن هذا الملف ، وقد أكد نتنياهو أنه بحث مع بوتين مواصلة الاتصالات بين العسكريين الإسرائيليين والروس، بغرض تجنب المشاكل والحوادث في الأجواء والأراضي السورية ، المستباحة من قبل طائرات وقوات واستخبارات عشرات الدول ،وميليشيات يصعب حصرها قدمت من مختلف انحاء العالم للمشاركة في الحرب الاهلية، التي يختلط فيها الحابل بالنابل ! والسبب في ذلك هو حماقة النظام وتعامله بعنجهية ، مع المطالب الاساسية للشعب السوري في الاصلاح والحرية ، وبدل الحوار اختار ممارسة إرهاب الدولة، وارتكاب المجازر وتدمير مقومات الدولة ، بدعم من قبل روسيا وايران وحزب الله والميليشيات الطائفية التي استقدمتها طهران !


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة